بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَالْفَاجِرُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ (وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) أَيْ كُرِهَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْ أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلِيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ»، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -».
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَمَاعَةُ النِّسَاءِ) أَيْ كُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ فَصِرْنَ كَالْعُرَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِنَّ الْجَمَاعَةُ أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لَهُنَّ الْأَذَانُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ جَمَاعَتِهِنَّ لَشُرِعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
خَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت، وَلَا يُصَلِّي خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الرَّوَافِضِ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدَعٌ وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدَعٌ اهـ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ. قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ فَقَالَ رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي فَقَالَ كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤْسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زِلَّةَ صَاحِبِكُمْ وَمَنْ أَرَادَ زِلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسُهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَمُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنْ جَزْمُهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ النَّقْصَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِآكِلِ الرِّبَا وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي بَابِ الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ) لِأَنَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَكُونُ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» أَمَّا لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ التَّقِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا صَبْرًا وَمَاتَ فِي حَبْسِهِ خَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ سِوَى مَنْ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَزُحُوفِهِ وَكَانَ حَبْسُهُ يُقَالُ لَهُ الْجَائِرُ بِغَيْرِ سَقْفٍ صَيْفًا وَشِتَاءً وَيُسْقَوْنَ الْمَاءَ بِالرَّمَادِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا جِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا) الْمَخْدَعُ الْخِزَانَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمِنْهُ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَيْ مَصْدَرٌ لَا وَصْفٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَفِي الْفَصِيحِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ وَاحْتَجَمْت وَسَطَ رَأْسِي بِالْفَتْحِ وَمِنْهُ يَشُدُّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْقِلَادَةِ وَالصَّفِّ وَالسُّبْحَةِ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute