كَالْعُرَاةِ)؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ حِينَ كَانَ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً، ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْبُرُوزِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا كَانَ صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَتَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَفِي تَقْدِيمِ إمَامَتِهِنَّ زِيَادَةُ الْبُرُوزِ فَيُكْرَهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً فَإِذَا صَلَّيْنَ فُرَادَى تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَهُنَّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَنَا حَدِيثُ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ خَلْفَهُ فِي رِوَايَةٍ وَيُكْرَهُ فِي أُخْرَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَازَتْ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مُسِيءٌ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ إلَى الْأَخِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا كَالْبَالِغِ حَتَّى يَقِفَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ) أَيْ يَقِفُ الِاثْنَانِ خَلْفَهُ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَوَقَفَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «قُمْت عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَفِعْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْإِبَاحَةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ وَامْرَأَةٌ يَقُومُ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصُفُّ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا آخِرُهَا وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا»؛ وَلِأَنَّ فِي الْمُحَاذَاةِ مَفْسَدَةً فَيُؤَخِّرْنَ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ فَإِنْ وَقَفَ فِي مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ لَمْ تُنْصَبْ إلَّا فِي الْوَسَطِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ لِمَقَامِ الْإِمَامِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحَدٍ بِلَا حَائِلٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَالْعُرَاةِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الِانْفِرَادِ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَا كَذَلِكَ النِّسَاءُ بَلْ يُصَلِّينَ قَائِمَاتٍ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ وَسُجُودُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا فَعَلَهُ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَمَّا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِيَلِيَنِي إلَى آخِرِهِ) قِيلَ اسْتَدَلَّا لَهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ، ثُمَّ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ أَدْنَى الصَّفَّ وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. فَتْحٌ وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ) أَيْ أَفْضَلَ صُفُوفِ الرِّجَالِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ اهـ فَنِيَّةٌ فِي الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ) أَيْ وَتَغْيِيرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ وُقُوعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَاذَتْهُ) أَيْ الْمُصَلِّي أُنْثَى اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مُشْتَهَاةٌ) أَيْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالِ كَوْنِهِمَا فِي صَلَاةٍ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي مَكَان) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا اهـ وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفُهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِلَا حَائِلٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِمَا لَكَانَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمَا إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي الْمَعْلُولِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute