للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَتَرْكُ مَكَانِهَا فِي الصَّفِّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ كَالصَّبِيِّ إذَا حَاذَى الرَّجُلَ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ بِتَأْخِيرِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَإِذَا تَرَكَ التَّأْخِيرَ فَقَدْ تَرَكَ مَكَانَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمُقْتَدِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ وَكَسَائِرِ الْمُنْهَيَاتِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَأْمُورَةٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ وَلِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ، وَمُحَاذَاتُهَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مِنْ الْفَرَائِضِ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ لِخُلُوِّهِ عَمَّا يُوجِبُ التَّشْوِيشَ، وَلَئِنْ وُجِدَ فَهُوَ نَادِرٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَرْأَةِ وُجِدَ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَوِيَ السَّبَبُ فَافْتَرَقَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَرْأَةِ إجْمَاعًا لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ لَا لِدُنُوِّ حَالِ صَلَاتِهَا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَلَا لِتَغَايُرِ الْفَرْضِ وَلَا لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَنْ يُحَاذِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ إذْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِيهِمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ وُجِدَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ. وَنَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، فَجَازَ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَضْمَنُ شُرُوطًا مُجْمَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَتَفْسِيرُ كُلِّ شَرْطٍ عَلَى حِيَالِهِ فَتَقُولُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُحَاذِيَةُ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى صَلُحَتْ كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ نَظَرًا إلَى بِنَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا وَلِهَذَا تَبْلُغُ فِي التِّسْعِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّنَّ الَّتِي ذُكِرَتْ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِلْإِطْلَاقِ وَلَا تَفْسُدُ بِالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْأَصْلِ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ يَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ تَحْرِيمَةَ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ أَدَاءً أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْمُدْرِكُ بِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي مَكَان وَاحِدٍ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ إنَّمَا تُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَرُبَّمَا تُشَوِّشُ الْأَمْرَ عَلَى الْمُصَلِّي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَكَى عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ صُورَةً فِي الْمُحَاذَاةِ تَفْسُدُ فِيهَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبَيَانُهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا شَرَعَ الرَّجُلُ نَاوِيًا إمَامَةَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً حِينَ شَرَعَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَتْ بِحِذَائِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّأْخِيرُ لَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْض الْمُقَامِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّأْخِيرُ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ فَقَدْ تَرَكَتْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا قَالَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ الْمُحَاذَاةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ تُحَاذِيَ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عُضْوًا مِنْ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى ظُلَّةٍ وَحَاذَتْ رَجُلًا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ حَاذَى قَدَمَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ السِّنَّ الَّتِي ذَكَرْت إلَى آخِرِهِ) أَيْ السِّنَّ مِنْ الْفَمِ مُؤَنَّثَةٌ وَالسِّنُّ إذَا عَنَيْت بِهِ الْعُمْرَ مُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِمُصَلَّى الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا وَقِيلَ رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ) أَيْ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا) أَيْ حَالَ الْمُحَاذَاةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>