للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي هَذَا السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يُفِيدُ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً، وَكَذَا حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحِفْظَ فِي مَحَلَّتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى فَإِذَا تُصُوِّرَ الِاخْتِلَافُ تَقَيَّدَ بِهِ فَيَضْمَنُ إذَا خَالَفَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ نَسِيئَةً وَلَا تَبِعْ حَالًّا حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَالًّا عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ بِيَقِينٍ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا

قُلْنَا فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ، وَقَالَ لَا تَضَعْهَا مِنْ يَدِك لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْمَذْكُورِ قَوْلُهُ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً تَعْمَلُ بِهِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعْمَلُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهِ

وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي مِصْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَيَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ مِنْ الْأَلْفَاظِ سِتَّةٌ دَفَعْت إلَيْك الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ، أَوْ لِتَعْمَلَ بِهِ، أَوْ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ مَجْزُومًا، أَوْ مَرْفُوعًا أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ وَمَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ لَفْظَانِ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ

وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ لِتَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا كُلُّهُ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِهِ

وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَضَاءً وَاقْتِضَاءً، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَوْ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَتَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ فِي الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَادَةً التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ أَوْ بِالنَّوْعِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبِيعَ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ وَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالصَّيَارِفَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَجْتَمِعُ فِيهِمْ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِهِمْ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَى هُوَ فَيُعْتَبَرُ

وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالْعِتْقُ يُنَافِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُنَاكَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُنَا مُقَيَّدٌ بِمَالٍ يُمْكِنُ التِّجَارَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ، أَوْ قَالَ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا.

قَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرْفُوعًا) تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ) إذْ لَا يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا فَاعْتُبِرَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ بِالْوَاوِ وَغَيْرِ الْوَاوِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ مِمَّا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى) كَأَنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ وَأَحْسَنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالنَّوْعِ) أَرَادَ بِهِ الصَّرْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبِيعُ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>