للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْحِفْظِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ؛ وَلِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فَيَكُونُ هَلَاكُهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْإِيدَاعِ فَلَوْ ضَمِنَ الْمُودَعُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَكَانُوا يُحْرَجُونَ بِذَلِكَ، وَهَلَاكُهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا وَبَيْنَ إنْ هَلَكَ لِلْأَمِينِ مَالٌ غَيْرُهَا مَعَهَا، أَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقَتْ وَحْدَهَا يَضْمَنُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَنْ يَحْفَظَهَا مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يَحْفَظُهُ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَة إذَا دَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى أَجِيرِهِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَهُ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ مَالُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) أَيْ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْمُضَارِبِ لَا يُضَارِبُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْحِرْزِ وَضْعٌ فِي يَدِ مَنْ فِي يَدِهِ الْحِرْزُ فَيَكُونُ كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرَقَ، أَوْ الْغَرَقَ فَيُسَلِّمُهَا إلَى جَارِهِ، أَوْ فُلْكٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ، أَوْ الْإِلْقَاءَ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى عِنْدَ إحَاطَةِ النَّارِ بِدَارِهِ وَعِنْدَ تَخَبُّطِ السَّفِينَةِ تَعَيَّنَ حِفْظًا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَدَعْوَى ضَرُورَةٍ دَعْوَى مُسْقِطٌ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا أَتْلَفَهَا بِالصَّرْفِ فِي حَاجَتِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً، أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ طَلَبهَا رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا، أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا إذْ لَا يَرْضَى صَاحِبُهَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ مَعْزُولًا فَصَارَ يَدُهُ عَلَيْهَا كَيَدِ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْخَلْطِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مُتَعَدِّيًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

حَيَوَانٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً بِاسْتِحْفَاظِ صَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ يَكُونُ ذَلِكَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَلَكِنْ بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ أَيْ هِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ وَخَلْطُهَا بِمَالِهِ وَمَنْعُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمْ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْمَمْلُوكُ وَالْأَجِيرُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا شَيْئَانِ لَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ مَعَ الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَى زَوْجَتِك فَدَفَعَ إلَيْهَا وَتَلِفَ أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ) فِي الذَّخِيرَةِ الدَّفْعُ إلَى الْعِيَالِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ.

(فَرْعٌ) لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَى فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) صُورَتُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَتْرُكَ الْوَدِيعَةَ فِيهِ وَفِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ وَالْإِيدَاعُ أَنْ يَنْقُلَ الْوَدِيعَةَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْإِيدَاعِ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يُحْفَظُ بِالْإِيدَاعِ قُلْنَا قَوْلُهُ إنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ وَيَدُهُ تَحْفَظُهُ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ غَالِبًا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَخَافَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ضَمِنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ بِعُذْرٍ اهـ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ الْغَرَقُ) أَوْ اللُّصُوصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) يَعْنِي لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ عَنْ عُذْرٍ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا نُصَدِّقُهُ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا ادَّعَى سُقُوطَ الضَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ دَفَعَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْتَهُ احْتَرَقَ فَإِذَا عَلِمَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا دُونَ حَمْلِهَا إلَى صَاحِبِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِلَافَ وَعَادَ إلَى الْوِفَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>