حَقِّهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَمْلِكُ الْمَخْلُوطَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ فِي الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ إفْرَازٌ وَتَعْيِينٌ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَكَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ قَائِمًا مَعْنًى فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إعْدَامَ الْمَحَلِّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ فَيَصِيرُ ضَامِنًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُهَا الشَّرِكَةُ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى حَقِّهِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ
ثُمَّ قَالُوا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ التَّنَاوُلُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ سَقَطَ بِإِبْرَائِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَفِيهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَتَعَيُّنِ الْمُبَادَلَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِجْمَاعِ لَامِكَانِ التَّمْيِيزِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوطُ مِلْكًا لِلْخَالِطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَصِيرُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اشْتَرَكَا)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ فَيَشْتَرِكَانِ ضَرُورَةً وَهَذِهِ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا فِي الشَّرِكَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا فَرَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْكُلَّ)؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا لِكَوْنِهِ خَلَطَ مَالَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ وَقَبْلَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا خَلَطَهُ الْوَدِيعَةِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا، ثُمَّ زَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ارْتَفَعَ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْتَفِعُ كَالْجُحُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِيخَانْ قَوْمٌ دَفَعُوا إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ فَأَخَذَهَا وَشَدَّهَا فِي مِنْدِيلِهِ وَوَضَعَ فِي كُمِّهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَهَبَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَأَصْحَابُ الْمَالِ لَا يُصَدِّقُونَهُ قَالُوا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَثَمَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ
(قَوْلُهُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ فَاخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخِرِ أَلْفَانِ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمَالِهِ الْآخَرِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي لِوُجُودِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَعْضِهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ
هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً فَلَا يَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئَةً وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَلْطٌ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلْثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَرَدِيءٌ (قَوْلُهُ فَيَشْتَرِكَانِ)، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. هِدَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَأَنْفَقَ طَائِفَةً مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يَضْمَنُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ فَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ وَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِجَمِيعِهَا مَا أَنْفَقَ بِالْإِتْلَافِ وَمَا بَقِيَ بِالْخَلْطِ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَامَةٌ لَا يَضْمَنُ سِوَى مَا أَنْفَقَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ تَعَدَّى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَقَّبَ لِلْمَسْأَلَةِ إنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي نَسْخِ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا خَالَفَا ثُمَّ تَرَكَا الْخِلَافَ بَقِيَ الضَّمَانُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْعَيْنَ بِالْخِلَافِ هَلْ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْخِلَافِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَيْنَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ بِلَفْظِ