للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقَيَّدَتْ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا فَيَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِمَا تَقَيَّدَتْ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ كَيْفَمَا كَانَ

وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا تَتَقَيَّدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِالِانْتِفَاعِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُسَمَّى لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ إلَى مِثْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ احْمِلْ عَلَى الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مُطْلَقًا مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا بَعَثَ الْعَارِيَّةَ إلَى صَاحِبِهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الرَّسُولِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إيدَاعًا مِنْهُ. قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَصْدًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ قَصْدًا وَتَسْلِيمُ الْعَيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَافْتَرَقَا وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاق وَأَبُو اللَّيْثِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالْعَيْنِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْعَارِيَّةُ فَإِذَا مَلَكَ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَدْنَى. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِهْلَاكَ إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً، وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ اهـ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ قَصْدًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَارِيَّةُ الْمُطْلَقَةَ تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ يُعَارُ وَيُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. سَيَأْتِي الْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْبَاقِلَّانِيُّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ) وَالِدُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعِيرُ إذَا وَجَدَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَهُوَ خَصْمٌ، وَإِذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَدْ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الَّذِي أَعَرْتهَا مِنْهُ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُلْت هَكَذَا وَجَدْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَنْصُوصَةً فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ أَنْ يُودِعَ فَرَاجِعْهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَنْعِ الْإِيدَاعِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا مِثْلَ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَكَذَلِكَ الْأَقْطَانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمْ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَسَائِرُ مَتَاعِ الْعِطْرِ وَالصَّنَادِلَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنَافِعِهَا قَرْضٌ كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أَوْ خَاتَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا قَرْضًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَمَّلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّجَمُّلُ بِالْمَالِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سَعَةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ، وَفِي الْعُيُونِ قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبًا يُدْخِلُهُ فِي بِنَائِهِ قَالَ لَا يَكُونُ هَذَا عَارِيَّةً وَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فَإِنْ قَالَ أَرُدُّهُ عَلَيْك فَهُوَ عَارِيَّةٌ.

اهـ. (قَوْلُهُ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الصَّرْفِ اسْتَقْرَضَ كُرَّ بُرٍّ وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ حَتَّى لَا يَسْتَهْلِكَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ هُنَا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَكَذَا الْعَيْنُ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقْرِضِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ مُقْرِضِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبُرِّ مِنْ مُقْرِضِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَدَلِهِ فَسَدَ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ نَقَدَ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَوْ نَقَدَ حَتَّى صَحَّ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْكُرِّ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُرٌّ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ مَعِيبٌ فَالْكُرُّ الَّذِي وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ يَكُونُ مَعِيبًا أَيْضًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَسَقَطَ لَمَّا اشْتَرَاهُ عَنْ ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ النُّقْصَانُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْكُرُّ الْقَرْضُ غَيْرَ مَعِيبٍ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَيَرْجِعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِكُرِّ مِثْلِهِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>