للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُمَلِّكْ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِشَيْءٍ تَتَقَيَّدُ بِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفْصِيلُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا لَا يَتَجَاوَزُ عَمَّا سَمَّاهُ وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إطْلَاقٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَوْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ أَوْ بِالِانْتِفَاعِ أَوْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَرْكَبُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَمْ يَلْبَسْ هُوَ وَلَمْ يَرْكَبْ فَإِذَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ أَوْ أَرْكَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ تَعَدِّيًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا بَتَفَاوُتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ فَجَعَلَهُ كَالْإِجَارَةِ

فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَقْتِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ وَلِلْمُسَمَّى أَنْ يَفْعَلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ مِثْلَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيرَ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ) أَيْ وَيَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ اهـ

(قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وِلَايَةِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ) وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ إنَّمَا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ إعَارَتَهُ لِلْإِطْلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ الْإِعَارَةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ، ثُمَّ قَالَ فِي ذِكْرِ دَلِيلِنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ مُطْلَقًا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ الْعَارِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ مَنْفَعَةٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ قَيَّدَهُ بِيَوْمٍ وَعَيَّنَ نَوْعَ مَنْفَعَةٍ كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ وَالْخِلَافُ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُبُوبِ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ وَخِفَّتِهَا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْحِنْطَةِ كَانَ أَرْضَى بِمَا دُونَهَا

وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَالْخِلَافُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَة مَخَاتِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ، وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ، وَالرَّابِعُ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى

وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْوَقْتَ وَالِانْتِفَاعَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ حَمَلَ وَإِنْ أَعَارَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحَمْلِ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ وَإِنْ أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعْيِينٌ لِلِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفَعِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ فَقَدْ عَيَّنَ جَهْلًا الِانْتِفَاعَ وَالْمُنْتَفِعَ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَكِنْ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ مُفَوَّضًا إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِالرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَتَمْلِيكِهِ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا رَكِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَبِسَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْلَك لَمَا مَلَّكَ غَيْرَهُ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ مِثْلُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ، أَمَّا الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ اهـ فَقَوْلُهُ وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَالزِّرَاعَةُ فَإِنَّهُ عَدَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>