وَلِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهَا لَا لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ وَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودِعِ وَفِي الْعَارِيَّةِ لَا يَرْجِعُ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ كَالْإِجَارَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّي وَمَعَ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ لَا يُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَانْتَفَى الضَّمَانُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ شَرْعًا إمَّا بِعَقْدٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَوْ بِشُبْهَتِهِ بِأَنْ كَانَ فَاسِدًا أَوْ بِالتَّعَدِّي، فَالْعَقْدُ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا شُبْهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالتَّعَدِّي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْإِتْلَافِ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالَ «أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ.» وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُرَخَّصُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَحَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ الضَّمَانَ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الضَّمَانُ تُضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ ضَمَانَ رَدُّ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» يَقْتَضِي رَدَّ الْعَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ وَاجِبٌ فِي الْأَمَانَاتِ وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَهُوَ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُتَبَرِّعٌ كَالْوَاهِبِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَجِّرُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ فَيَلْزَمُ الْمُعِيرَ زِيَادَةُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَمَا جَازَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى تَفْرُغَ مُدَّتُهَا فَيَتَضَرَّرَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْإِجَارَةُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَيْنَ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يُعِيرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَوْ طَعَنَ بِالرُّمْحِ فَانْكَسَرَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ عَمَلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِيهِ ضَرُورَةً، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَعْمَلَ قِصَاعَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ) تَمَامُهُ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقِيلَ عُمَرُ وَفِي الْإِسْنَادِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا) أَيْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَفَقَةُ الْعَارِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْحِيرَةِ أَوْ أَمْسَكَهَا بِالْكُوفَةِ شَهْرًا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يُؤَاجِرُهَا قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْإِجَارَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ حَيْثُ آجَرَهَا صَارَ ضَامِنًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ أَيَّ انْتِفَاءٍ شَاءَ وَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ بِفِعْلِهِ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهَا فِي الرُّكُوبِ أَوْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا تَعَيَّنَ بِقَيْدٍ فَلَا يَبْقَى مُطْلَقًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَبِنَاءُ اللَّازِمِ عَلَى الْجَائِزِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَتَنْعَقِدُ جَائِزَةً لَا لَازِمَةً كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ أَصْحَابنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمَّا ظَهَرَتْ بِالشَّرْطِ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَلَمْ تَتَقَوَّمْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَفِي الْعَارِيَّةُ لَا شَرْطَ فَلَا قِيمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَآجَرَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ إذَا فَعَلَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا قَالَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِنْ آجَرَهَا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُعِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute