للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ قَدْ مَاتَ وَالْوَرَثَةُ لَيْسُوا بِمُتَبَرِّعِينَ، وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ وَمَلَكَهُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ

وَقَوْلُهُ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ بِلَا إذْنِهِ أَيْ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بِهَا قَبْلَهُ وَيُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ دَلَالَةً إذْ مِلْكُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ كَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا تَعْمَلُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا، وَلِهَذَا صَحَّ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِقَوْلِهِ وَهَبْت؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ وَبِقَوْلِهِ نَحَلْت؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكُلَّ أَوْلَادِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا»

وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُنْت نَحَلْتُك عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِقَوْلِهِ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهَا فَأَمْكَنَ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ جَعَلْته لَك؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا الثَّوْبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَانَ تَمْلِيكًا فَكَذَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِقَوْلِهِ أَعَمَرْتُك لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَاهِبِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ) أَيْ اقْتِضَاءً اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فَأَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تَقْبِضْ فَقَبَضَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، أَمَّا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ فَبَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْلَى وَإِنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ

وَالْبَائِعُ لَوْ نَهَى الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ الْإِيجَابِ دَلَالَةً فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَوْ رَجَعَ ثُمَّ قَبَضَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ صَرِيحًا بَيَانُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِبَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَتَى فَاتَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى الْإِيجَابُ صَحِيحًا، وَإِذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُ الْقَبْضِ لَا مَحَالَةَ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ اقْتِضَاءً كَمَا فِي الْبَيْعِ جَعَلْنَا إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ مُقْتَضَى بَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً يَثْبُتُ ضَرُورَةً، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْقَى صَحِيحًا مَتَى قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْتَبَرُ ثَابِتًا فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُثْبِتَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَصًّا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ

وَالْجَوَابُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْهِبَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ حَاضِرًا فَقَالَ لَهُ الْوَاهِبُ قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْهِبَةِ فَاقْبِضْهَا وَانْصَرَفَ الْوَاهِبُ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ إقْبَاضٌ مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَ بِإِذْنِهِ تَمَّ الْعَقْدُ.

قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ نَزَلَ قَابِضًا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ إذَا أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ وَيُقْبِضْهُ لَا يُعَدُّ مُسَلِّمًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ إيصَالِ الْقَبْضِ بِهَا فَصَحَّ رُجُوعُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْهِبَةَ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ أَوْ بِغَيْرِ حَضَرَتْهُ جَازَ الْقَبْضُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ

قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت عَبْدِي هَذَا مِنْك وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ نَالَهُ فَقَالَ قَبَضَتْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَيَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَقَالَ وَهَبْت مِنْك عَبْدِي فُلَانًا فَاذْهَبْ وَاقْبِضْهُ فَقَبَضَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ كَلَامُ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّخْلِيَةِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ قَبْضِ الْهِبَةِ مَا نَصُّهُ النَّوَادِرِ رَجُلٌ وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَهُوَ حَاضِرٌ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَتْهُ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَبْضِهِ فَأُقِيمَ تَمَكُّنُهُ مَقَامَ قَبْضِهِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ حَقِيقَةً اهـ وَعَلَى هَذَا فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَوْلُهُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ وَهُوَ نَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ التَّمْلِيكُ لَا الْإِبَاحَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِطْعَامِ إطْعَامُ الطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِي الْآيَةِ مُضَافًا إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ فَافْهَمْ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>