للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْدِهِ» وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمْرَى هُوَ التَّمْلِيكُ لِلْحَالِ وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ لَهُ فَصَحَّ التَّمْلِيكُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَبِقَوْلِهِ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا بِهِ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ الْإِرْكَابَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الدَّابَّةِ يَعْنُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩]

وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَأَدَّى بِالْمَنَافِعِ، وَكَذَا يُقَالُ كَسَا فُلَانٌ فُلَانًا إذَا مَلَّكَهُ لَا إذَا أَعَارَهُ وَبِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةً تَسْكُنُهَا؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا هِبَةَ سُكْنَى أَيْ لَا تَكُونُ تَمْلِيكًا بِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى. وَقَوْلُهُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ لَا فِيمَا يُقْسَمُ أَيْ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَفِي مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ وَلَا تَجُوزُ فِي مَشَاعٍ يُقْسَمُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَنْ الْمُتَّصِلِ كَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرَةِ وَبِقَوْلِهِ مَقْسُومٍ عَلَى الْمَشَاعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَجُوزُ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ فِي الشُّيُوعِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ إلَيْهِ كَالْمَشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ

وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - شَرَطُوا الْقِسْمَةَ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَمَّا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِالسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ ثَبَتَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَالْكَامِلُ هُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْقَبْضُ فِي الْمَشَاعِ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ وَالْمَشَاعُ لَيْسَ فِي حَيِّزِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَيِّزِ شَرِيكِهِ مِنْ وَجْهٍ

وَتَمَامُهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ بِهَا تَتَمَيَّزُ وَتَجْتَمِعُ وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ لَا يَصِيرُ مُحْرَزًا أَوْ يَكُونُ إحْرَازًا نَاقِصًا فَلَا يَنْهَضُ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ أَصْلِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ فَيَصِيرُ عَقْدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ) أَيْ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ) أَيْ وَأَلْفَاظُنَا تُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ دَارِي لَك هِبَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَشُورَةٌ) هِيَ بِتَسْكِينِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِضَمِّ الشَّيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِمَعْنَى الشُّورَى وَهِيَ اسْتِخْرَاجُ رَأْيٍ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَ دَارِي لَك هِبَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَلَى الْمُتَّصِلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَوْلُهُ مَحُوزَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مَشْغُولَةً بِمَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ كَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَكَالظَّرْفِ فِيهِ مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ، وَقَوْلُهُ مَقْسُومَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَشَاعِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَتِمُّ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَامَّةٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَاهُ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا فَاسِدَةٌ بَلْ غَيْرُ تَامَّةٍ كَذَا هَذَا، وَأَجْمَعُوا

عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ تَامَّةٌ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نَصِيبًا مُسَمًّى فِي دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبًا فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ يُقْسَمُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُقْسَمُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَنَعْنِي بِقَوْلِهِ إنَّهُ يُقْسَمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْبَيْتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مُنْتَفَعًا بِهِ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مِثْلَ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ إذَا قُسِمَ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ هِبَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اتِّفَاقًا

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا وَهَبَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الشَّرِيكِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ وُهِبَ مِنْ الشَّرِيكِ جَازَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُهِبَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا وَيَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَفُوتُ أَصْلًا بِالْقِسْمَةِ وَالتَّجَزِّي كَمَا فِي الْعَبْدِ مَتَى قُسِّمَ وَجُزِّئَ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ أَصْلًا أَوْ تَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ

(قَوْلُهُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَلِكَ قَرْضُ الْمَشَاعِ فِي الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحٌ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ بَيَانُهُ أَنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا نِصْفُهُ قَرْضًا وَنِصْفُهُ مُضَارَبَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَارِهِ شَائِعًا يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ) أَيْ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَظَاهِرُهُ كَمَا تَرَى يُشْعِرُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْت لَك قَرِيبًا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ لَا فَاسِدَةٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>