مَلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهَا قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ ثَابِتٌ فِيهَا وَهُوَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَمَضْمُونَةً؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ مِثْلِهِ لَا عَنْ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَقْوَى عَنْ الْأَضْعَفِ دُونَ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَقْوَى مِثْلَ الْأَدْنَى وَزِيَادَةً وَلَيْسَ فِي الْأَدْنَى مَا فِي الْأَقْوَى فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِنَفْسِهِ وَيَدُهُ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ وَقَبَضَهُ لِأَجْلِ الْمَالِكِ، فَكَيْفَ يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ؟ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَمَا لَوْ وَهَبَهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَكِنْ لِلْمُودَعِ يَدٌ حَقِيقَةً فَبِاعْتِبَارِهَا نَزَلَ قَابِضًا؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا يَدَهُ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا مَا دَامَ عَامِلًا لَهُ وَبَعْدَ الْهِبَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ لَهُ فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلِهِ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ الْحَاشِيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّك تَظْفَرُ بِالْمَقْصُودِ وَتَغْنَمُ بِفَوَائِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَهِيَ هَذِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا وَهَبَ لَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَلَكَ الْهِبَةَ وَصَحَّ قَبْضُهُ بِهَذَا لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا مِثْلَ الرَّهْنِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَبِيعِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ فَيَهَبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضًا بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةَ مَلَكَهَا بِعَقْدِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ قَبْضٍ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَابِضًا حَتَّى يُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ الْمُودَعِ فَكَأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَبْضٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَبْضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَبْضٍ بِصِفَةٍ وَمُجَرَّدُ الْقَبْضِ مَوْجُودٌ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا بَيْعَ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا وَقَبْضُ الْمُودِعِ عَقِيبَ الْعَقْدِ قُبِلَ أَمَانَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَضْمُونَةً فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَقْبُوضَةِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْهِبَةُ قَدْ وُجِدَ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ الضَّمَانُ وَذَلِكَ الضَّمَانُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ جَازَ وَسَقَطَ فَصَارَتْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً مِنْ الضَّمَانِ فَبَقِيَ قَبْضٌ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَكَالرَّهْنِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِي وَقْتٌ يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت رَجُلًا اسْتَوْدَعَ أَخَاهُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ دَارًا أَوْ دَابَّةً، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ قَدْ وَهَبْتُ لَك الَّذِي اسْتَوْدَعْتُك وَهُوَ فِي يَدِ الْمُودَعِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا قُبِلَتْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَدْ شَرَطَ الْقَبُولَ هُنَا وَذَكَرَ فِيمَا إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِأَخِيهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَكَانَ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَمْ يَشْرَط الْقَبُولَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْعَبْدُ لَيْسَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَالَةَ الْهِبَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُحْتَاجًا إلَى إحْدَاثِ قَبْضٍ حَتَّى يَمْلِكَ الْهِبَةَ فَمَتَى أَقْدَمَ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ إقْدَامًا عَلَى الْقَبُولِ وَرِضًا مِنْهُ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ فَمَلَكَهُ
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ مِنْهُ نَصًّا بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ الضَّرَرِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَيْضًا فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ سَاكِنًا فِي دَارٍ بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةٍ قَالَ نَعَمْ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ فَلَأَنْ يَنُوبَ قَبْضُ الْإِجَارَةِ وَفِي قَبْضِ الْإِجَارَةِ زِيَادَةُ ضَمَانٍ لَيْسَ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ رَهْنَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِتَمَامِ الْهِبَةِ، وَقَدْ فُقِدَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا يَدَ الْأَبِ فِيمَا يَهَبُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الِابْنِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَهَا هُنَا الْيَدُ لِلْمُرْتَهِنِ لَا لِلرَّاهِنِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهَا لِلِابْنِ فَانْعَدَمَ قَبْضُهَا الَّذِي هُوَ مُتَمِّمٌ لِلْهِبَةِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ غَصْبًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَوْ مَقْبُوضًا لِرَجُلٍ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْدَمُ الْيَدَ لِلْوَاهِبِ فَتَنْعَدِمُ يَدُ الصَّغِيرِ تَقْدِيرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا تَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ أَمَّا هَلْ تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ