للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ وَعَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَهَبَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا وَالْأَبُ سَاكِنُهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهِبَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَسُكْنَاهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يُنَافِي يَدَهُ بَلْ يُقَرِّرُهَا فَتَكُونُ هِيَ فِي قَبْضِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ

وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ بِأَجْرٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي يَدِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِمَنْ فِي يَدِهِ ضَرْبُ وِلَايَةٍ حَتَّى كَانَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي صِنَاعَةٍ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ النَّافِعَ فَيَنْفَرِدُ بِتَمْلِيكِهِ وَيَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْهِبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ هُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقَبْضِ إلَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ أُمِّهِ وَبِقَبْضِ أَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ لَهُ، وَتَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَوْفَرِ الْمَنَافِعِ فَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِثُبُوتِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِحِفْظِهِ وَتَحْصِيلُ الْمَالِ لَهُ مِنْ ضَرُورَاتِ حِفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَادَةً إلَّا بِقَوْتٍ وَمَلْبُوسٍ فَقَامُوا فِي هَذَا مَقَامَ الْوَلِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَبْضِهِ إنْ عَقَلَ) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ الصَّبِيِّ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أُلْحِقَ بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِعَقْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِهِ لَهُ حَتَّى الْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِعَقْلِهِ وَجُعِلَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَمَا نَفَذَ عَلَيْهِ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ وَلَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِهِ نَظَرُهُ فِي عَوَاقِبِ أُمُورِهِ لِعَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ فَإِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ نَافِعًا مَحْضًا تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نُفُوذِهِ فَيَنْفُذُ نَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فِي الضَّارِّ لِأَجْلِهِ وَالتَّوَقُّفُ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ لِأَجْلِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ النَّافِعُ نَظَرًا لَهُ، وَجَازَ تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَظَرًا لَهُ أَيْضًا حَتَّى يَنْفَتِحَ لَهُ سَبَبُ تَحْصِيلِ النَّفْعِ بِطَرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ تَثْبُتَ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِغَيْرِهِ نَظَرًا لَهُ ثُمَّ يُرَدُّ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا النَّفْعِ الْمَحْضِ وَلَا مِنْ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ بِالتَّمْيِيزِ وَالِاخْتِيَارِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وَهَبَ لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ) لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَقَبَضَ الْهِبَةَ مِنْهُ، وَلَوْ قَبَضَهُ لِأَبٍ أَيْضًا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ مِنْ جِهَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ غِيبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ حُضُورِهِ وَتَمْلِكُهُ هِيَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لِمَا بَيَّنَّا وَاشْتَرَطَ الزِّفَافَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُولُهَا وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِي الصَّحِيحِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ) لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا لَهُ جُمْلَةً وَهُوَ قَبَضَهَا مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَا شُيُوعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الشُّيُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى امْتَنَعَ رَهْنُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَيْضًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَفْسُدُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ فَصَارَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُ أَنَّهُ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا جَازَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ لَمَا جَازَ فَيَنْصَرِفُ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ وَهُوَ شَائِعٌ فَيَكُونُ الْقَبْضُ نَاقِصًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي هِبَةِ نَصِيبِهِ لِشَرِيكِهِ أَوْ مَعْدُومًا إذْ قَبْضُ الشَّائِعِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ النَّاقِصَ هُوَ الْمَانِعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا دُونَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَبْته لَهُ قَبِلْته وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا كَقَوْلِنَا، وَقَالَ مَالِكٌ لَوْ وَهَبَهُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْأَثْمَانِ لَمْ تَتِمَّ إلَّا أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَيُشْهَدْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ اهـ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَبَ لِابْنِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي يَدِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَقَبْضُ الْأَبِ يَكْفِي بِلَا قَبُولِ الْأَبِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ إدْرَاكِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْأَبِ إذْ كُلُّ عَقْدٍ يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ يَكْفِي فِيهِ الْإِيجَابُ كَبَيْعِ الْأَبِ مَالَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَرْسَلَ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ وَهَبَهُ مِنْ وَلَدِهِ صَحَّتْ إذْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ هُوَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَالْعَبْدُ لِلْوَلَدِ وَلَا يَصِيرُ مِيرَاثًا، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ عَبْدًا آبِقًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَمَا دَامَ مُتَرَدِّدًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالْأَبُ قَابِضٌ لَهُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهَبْتُهَا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ. اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَلَوْ اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثِيَابًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْبَابِ التَّعَارُفُ وَفِي التَّعَارُفِ يُرَادُ بِهَذَا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>