للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي الْكُلِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّةِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ

وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودٌ فَيَجِبُ الْبَدَلُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقَّ الْكُلَّ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فَصَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُسْلَمًا إلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَفِي خِيَاطَتِهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ فَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا إذَا فَرَغَهُ فِي مَنْزِلِهِ يَجِبُ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا فِي سُكْنَى الدَّارِ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ رَوَى الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ) يَعْنِي لِلْخَبَّازِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ إذَا أَخْرَجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَغَ فَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ كَالْخَيَّاطِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ، هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ، ثُمَّ احْتَرَقَ هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ) أَيْ وَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُسْلَمَةً إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُهُ بِبَدَلِهَا اهـ (قَوْلُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ) وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَ بَعْضَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا سَنَةً عَلَى أَنْ تُعْطِيَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ بَدَلُهُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَقْصُودٌ بِالِانْتِفَاعِ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ لَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ كَمَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَةِ سَاعَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى التَّوَالِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ مَفْقُودٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَدْخَلَ رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ قَالُوا لَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ لَا بِصُنْعِهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّهُ أَوْفَى عَمَلَهُ وَصَارَ الْخُبْزُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ اهـ

قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْخَبَّازِ إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ أَقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْجَوَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَعَنْ هَذَا قَالُوا الْجَوَابُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ فَوَضَعَهُ وَهُوَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ فَرَغَ فَإِنْ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ مُسْلِمًا لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>