للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ زَمَانُ حُدُوثِهَا تَصِيرُ هِيَ مَقْبُوضَةً فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْدُومُ كَالْمُسْتَوْفَى لَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ عَجَّلَهَا أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ صَرِيحًا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّصْرِيحِ عَلَى خِلَافِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ حَتَّى يُسْلِمَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، ثُمَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِالْقَصْدِ صَرِيحًا وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا صَحَّ، وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ تَقْبِضْهَا لَمَنَعَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَالْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ فَجَازَ إبْرَاءُهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَجَازَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَكَذَا بِهَا الدَّيْنُ، أَمَّا جَوَازُ الْكَفَالَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَلَوْ اسْتَوْفَى الْأُجْرَةَ هُنَا حَقِيقَةً جَازَ فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمِثْلِهِ عَادَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَّلَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ حُلُولِهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَسَلَّمَتْ الدَّارَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ لِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا إلَخْ

قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَهِدْنَا ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ حُكْمًا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ الْحَيَّ يُتَصَوَّرُ مَوْتُهُ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ أَصْلًا حَتَّى فِي حَالِ وُجُودِهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي وُجُودِهَا جَوَازُهُ بَلْ بُطْلَانُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى أَنَّ مَا اعْتَبَرَهُ قَلْبٌ وَمَا اعْتَبَرْنَاهُ تَغْيِيرٌ فَكَانَ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) أَيْ لَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَا حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَالْفَتْوَى لَا تَنْتَقِضُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وُهِبْت مِنْك جَمِيعُ الْأَجْرِ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ أَوْ قَالَ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ

وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَمَّا مَضَى وَلَا يَصِحُّ عَمَّا يُسْتَقْبَلُ وَلَوْ كَانَ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وُهِبَ مِنْهُ الْأَجْرُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَجْرَ رَمَضَانَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً جَازَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وُهِبَ مِنْهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وُهِبَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ جَازَ إجْمَاعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَا فِي الْبَعْضِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِبَةُ الْبَعْضِ حَطٌّ تُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَهِبَةُ الْجَمِيعِ لَا تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَتَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَهِيَ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِالْبَرَاءَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْجِيلُ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ أَصْلًا فَلَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَإِذَا اشْتَرَطَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ أَوْ تَأْخِيرَهُ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ لِمَا أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ قَضِيَّةِ الْمُعَادَلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>