للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَيُعْتَبَرُ فَإِذَا خَالَفَ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَخَالَفَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) يَعْنِي فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالدُّورِ لِلسُّكْنَى لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ حَتَّى إذَا شَرَطَ سُكْنَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى مِثْلُ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ كُرٍّ مِنْ بُرٍّ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الضَّرَرِ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضَرَّ مِنْهُ كَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِشَيْءٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ دَلَالَةً دُونَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَوْ كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَمَنْعِ كُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ بَلْ الشَّعِيرُ أَخَفُّ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ تِبْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا أَوْ آجُرًّا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ، وَكَذَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ أَيْضًا فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ) أَيْ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَرُبَّ خَفِيفٍ يَكُونُ رُكُوبُهُ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِجَهْلِهِ وَرُبَّ ثَقِيلٍ لَا يَضُرُّ رُكُوبُهُ بِالدَّابَّةِ لِعِلْمِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَيْضًا وَفِي الْحَانُوتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ الْقَصَّارَ وَالْحَدَّادَ وَالطَّحَّانَ وَلَوْ أَقْعَدَ صَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلَّمَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ وَلَا يُشْبِهُ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ سَلِمَ تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَنَصَبَهُ وَسَكَنَ فِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ عِنْدَهُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ يَرْجِعُ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ إلَى مِثْلِ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ وَالسِّمْسِمِ إلَى قَوْلِهِ أَقَلَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بَلْ أَخَفُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الشَّعِيرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ فَلَوْ كَانَ مِثْلًا لَهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ عَمْرٍو بِذَلِكَ الْكَيْلِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ جَمِيعًا نَظِيرَ قَوْلِهِ أَقَلَّ، وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُتَعَدِّدَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا جَازَ وَإِنْ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ يَجِبُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ سَقَطَ التَّعْيِينُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةِ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةِ عَمْرٍو وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الصِّفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاحِدٌ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكِيلًا آخَرَ ثِقْلُهُ كَثِقْلِ الْحِنْطَةِ وَضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِثْلَ مَا سَمَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا سَمَّاهُ فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَقَلَّ لِخِفَّتِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى أَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا فَزَرَعَ نَوْعًا آخَرَ ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا شَرَطَهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمَنْفَعَةِ اسْتِحْقَاقٌ لِمَا دُونَهَا وَلَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا

وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَنْفَعَتُهُ لَا لِلثِّقَلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مَنٍّ مِنْ قُطْنٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هَاهُنَا لَيْسَ لِلثِّقَلِ لَكِنْ لِلْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُطْنَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْحَدِيدُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الثِّقْلِ أَوْ أَخَفُّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرُّكُوبِ لَيْسَ هُوَ بِالثِّقْلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحِذْقِ فِي الرُّكُوبِ. أَلَا تَرَى أَنَّ ثَقِيلَ الْبَدَنِ الَّذِي يُحْسِنُ الرُّكُوبَ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ وَالْخَفِيفَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ يَضُرُّ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ أَضَرَّ إلَخْ) وَلَوْ خَالَفَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَ يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ بِالْإِذْنِ وَفِيمَا زَادَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ وَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. دِرَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>