للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَتُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ وَتَصِيرُ بِهِ مَالًا فَتُعْتَبَرُ الْإِجَارَةُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَشْبَاهِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهَا أَوْ يُرَمِّمَهَا، وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) أَيْ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكُلُّ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بُنِيَتْ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَتَفْسُدُ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِمَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) أَيْ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ بِالشُّرُوطِ شُرُوطًا لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ لَا كُلَّ شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَجْرَ إذَا رَجَعَ مِنْ بَغْدَادَ صَحَّ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَّا إذَا مَاتَ بِبَغْدَادَ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ الذَّهَابِ. وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُهَا كَاشْتِرَاطِ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ نَهْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ ضَرْبِ مُسَنَّاةٍ عَلَيْهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يُسَرْقِنَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ رَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً، كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَجَهَالَةُ بَعْضِ الْأَجْرِ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْبَاقِي فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَجْرِهِ أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسِدُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْإِجَارَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ حَذْفِ كَلَامٍ فِي الْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ) مِنْ الْإِقَالَةِ لَا مِنْ الْقَوْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَاَلَّتِي لَا تُفْسِدُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى فَسُكْنَى غَيْرِهِ لَا يَضُرُّ بِالدَّارِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلْبَسَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَابِضُ وَحْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ هُنَا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى لَا لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْأُجْرَةِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ السَّابِقُ وَغَيْرِهِ يُفْصِحُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَنْزِلَهَا هُوَ وَأَهْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ أَجْرَ حَارِسِهَا أَوْ نَوَائِبِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا سَكَنَ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَأَمْكَنَنَا تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقِيمَةِ لِلْمَنَافِعِ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهَا بِالتَّسْمِيَةِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ، أَمَّا هَاهُنَا بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ وَإِلَى الْحَارِسِ وَلَمْ تَقَعْ نَائِبَةٌ لَا يَدْرِي أَيَّ قَدْرٍ يُعْطِيهِ فَكَانَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ لِجَمِيعِ الْمُسَمَّى فَتَجِبُ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا اهـ فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ.

(فَرْعٌ) وَفِي الْحَاصِلِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ عِنْدَنَا وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّحِيحِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا ثُمَّ آجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ آجَرَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ عِنْدَنَا وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ، فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ يَطِيبُ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَقُلْنَا هَذَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ جِهَةِ الْآجِرِ، وَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَمَامُهُ فِي مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ) لَهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتُعْتَبَرُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>