للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَكَمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا كَافٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَاسِدِ مِنْهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُلْحَقٌ بِصَحِيحِهِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَكَانَتْ الضَّرُورَةُ بَاقِيَةً مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الصَّحِيحِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إلْحَاقِهَا بِهِ فَيَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ فِي قَدْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ فِي الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا نِهَايَةَ لِلْمَجْهُولِ وَلَا لِغَيْرِ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ آجَرَ دَارًا كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَفَسَدَ الْبَاقِي لِلْجَهَالَةِ كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهُمَا وَافَقَاهُ فِي الشُّهُورِ وَأَجَازَا الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ فِي الصُّبْرَةِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهَا وَالصُّبْرَةُ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِالْكَيْلِ فَلِهَذَا أَجَازَاهُ فِي الْكُلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ الْمُخَالِفَ لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ إذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَسْخِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبِتَسْمِيَتِهِ جُمْلَةَ الشُّهُورِ تَصِيرُ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَتَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ سَاعَةً) (صَحَّ فِيهِ) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ الْمُضِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَيَوْمِهَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَةِ حَرَجًا عَظِيمًا وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْفَسْخُ فِي رَأْسِ الشُّهُورِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا عُرْفًا أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَفِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَفِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ إذَا فَسَدَتْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَذَا فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ إذَا فَسَدَ يُعْتَبَرُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا) أَيْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا فَكَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَخْ) وَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَ الْعَقْدُ بِهِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ) وَالتَّبَعُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ يَجِبُ الْمُسَمَّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ وَالْإِسْقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّسْمِيَةِ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهَا لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ التَّقَوُّمُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) أَيْ بَيْعًا فَاسِدًا. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي كُلِّ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحُكْمِ سَنَةٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي نَفَقَاتِ الْخَانِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ فَلَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَمَّا مَضَى دُونَ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أَوْ بَعْضُ الشَّهْرِ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَعَنْ السَّنَةِ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ) أَيْ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ) أَيْ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ صِفَةَ الْعَامَّةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا) فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ فَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الثَّانِي مَعْلُومٌ فَلِمَ خَصَّصْتُمْ الْأَوَّلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؟ قُلْنَا إنَّمَا اُخْتُصَّ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ وَحُصُولُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّهُورِ حَتَّى إذَا سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) فَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ حَلَفَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا فَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَارَ يَتَقَاضَى الْأُجْرَةَ آخِرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ آجِرًا، وَلَوْ طَلَبَ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنْهُ بَعْدُ يَحْنَثُ. اهـ. فَتَاوَى الطَّبَرِيِّ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ)؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَإِذَا أُهِلَّ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْسَخَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّ خِيَارَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>