للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِيهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَكَذَا لِهَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَ الْمَوْلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ لَا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ ذَلِكَ فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُلْزِمٌ وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَوْ سَافَرَ بِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأُجْرَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ أَجْرًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَمِلَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَمَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا فَيَبْقَى الْمَدْفُوعُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا، ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَجُوزُ فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ عَنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْمَوْلَى لَا عَنْ تَصَرُّفٍ يَنْفَعُ الْمَوْلَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهُ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى الْأَجْرُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ لَمْ تَجُزْ ضَاعَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ، فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إلَى الْعَاقِدِ وَمَتَى صَحَّ قَبْضُهُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُ وَإِذَا ضَمِنَ صَارَ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْهِبَةِ. وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَفْعٌ مَحْضٌ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ إجَارَتَهُ نَفْسَهُ جَائِزَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ الْغَاصِبُ مُتَعَدِّيًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا فِي يَدِ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَالْعَبْدَ لَيْسَ فِي يَدِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا فِي يَدِهِ يَكُونُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَيْضًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وَأَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِحِرْزِهِ إذْ هُوَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ، وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا لَهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُبْدَلِ

وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ وَمِنْ وَجْهٍ كَفِعْلِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِرَقَبَتِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اُكْتُسِبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ كَسْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ) أَيْ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِلَا خِدْمَةٍ دُونَ الْوَارِثِ اهـ.

(قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ الْأَجْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فِيمَا عَمِلَ قَبْلَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا هَلَكَ مِنْ الْعَمَلِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ) أَيْ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ نَقْضُهَا بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا لِلْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ كَانَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ عِتْقِهِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَسْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>