للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْعَارِيَّةِ قُلْنَا هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ وَكَوْنُهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ الْمَنَافِعُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُذْرٌ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُضِيِّ فِيهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْعَيْبِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَلُزُومُهُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا الْعَقْدُ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ فِي عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ تَمْنَعُ اللُّزُومَ فِي الْحَالِ كَالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ

وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْعُذْرُ الظَّاهِرُ مِثْلُ اسْتِئْجَارِ الْحَدَّادِ لِقَلْعِ الضِّرْسِ، ثُمَّ سَكَنَ الْوَجَعُ، أَوْ الطَّبَّاخِ لِيَطْبُخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ أَيْ آجَرَ الدُّكَّانَ، ثُمَّ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ. قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ إذْ بِالْكُلِّ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لِلْمُكَارِي أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ يُعْذَرُ، وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ بِالسَّفَرِ يَلْزَمُهُ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَرُبَّمَا يَفُوتُ مَا يُسَافِرُ لِأَجْلِهِ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْغَرِيمِ، وَالْمُكَارِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الضَّرَرُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مُحَمَّدٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَخْذِ إلَّا إذَا طَالَبَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ جَائِزًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ بِدَارِهِ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا آجَرَهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَافِي رُجْحَانُ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَالَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ وَهِيَ بِعَيْنِهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَخْرُجُ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَتَعَلَّقُ مَصْلَحَتُهُ بِالسَّفَرِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ فَرَجَعَ يَعْنِي الْغَرِيمُ أَوْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْدَفَعَتْ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَوْ لَزِمَهُ غَرِيمٌ أَوْ خَافَ أَمْرًا أَوْ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ مَعَهُ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك وَأَرَادَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ، وَإِنْ عَرَضَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشُّخُوصَ فِيهِ مَعَ دَابَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ رَسُولًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ غَرِيمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَقَعُ بِالدَّابَّةِ وَلَا مَانِعَ فِي حَقِّهَا، وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ مُمْكِنٌ فَانْتَفَى الضَّرَرُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ عَطِبَتْ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُعَجِّزُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَكُونُ عَجْزًا عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدَابَّةٍ يَحْمِلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ) رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>