للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ وَشَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا بِعُذْرٍ وَالتَّسَبُّبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي لِيَلْتَحِقَ بِالْعِلَّةِ، وَإِحْرَاقُ الْحَصَائِدِ فِي مِثْلِهِ مُبَاحٌ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي تَحْرِيكِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَلَا يُعْذَرُ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكِيرِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا فِيمَا فَعَلَ بَلْ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلُ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَلَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْقَبُولَ بِوَجَاهَتِهِ وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُ سَبِيلًا إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْقَبُولُ جَائِزًا لَهُمَا إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا وَرَاءَهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ اقْتِضَاءً، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ فَعَمِلَ أَحَدُهُمَا مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ مَا قَبِلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا هُنَا، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَهُوَ الْمِهَادُ، وَالدُّثُرَ وَهُوَ مَا يُلْقِيهِ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُلْقِيهِ الرَّاكِبُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) أَيْ رُؤْيَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ أَوْ أَصَابَ إبِلَهُ دَاءٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ إلَخْ) مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَيْ نُثِرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَذُكِرَتْ هُنَا تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ اهـ وُجِدَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشِّلْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً) هَادِيَةٌ وَهَادِئَةٌ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُمَا سَاكِنَةٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْعَلَاةُ السِّنْدَانُ وَالْجَمْعُ الْعُلَا وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَلَاةٌ تُشَبَّهُ بِهَا فِي صَلَابَتِهَا يُقَالُ نَاقَةٌ عَلَاةُ الْخَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَحْرَقَ شَيْئًا) أَيْ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ) وَالطَّحَاوِيُّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ، وَقَالَ عِنْدِي الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ) أَيْ بِنِصْفِ مَا يَتَقَبَّلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَطَ عُقْبَةً لِلْأَجِيرِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا اثْنَانِ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا وَيَرْكَبُ الْآخَرُ وَلَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ لِلْعُرْفِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْعُقْبَةِ إلَّا مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّمَانِ أَوْ الْفَرْسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اكْتِرَاءَ الْعُقْبَةِ أَيْ الظَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ. اهـ. مِعْرَاجٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا إلَى مَكَّةُ لِيَحْمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَحْمَلًا فِيهِ رَجُلَانِ وَمَا لَهُمَا مِنْ الْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ فَرَآهُمَا وَلَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَعَلَى الْآخَرِ زَامِلَةٌ عَلَيْهِ كَذَا مَخْتُومًا مِنْ السَّوِيقِ وَمَا يَكْفِي مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَمَا يَصْلُحُ مِنْ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَعَالِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ هَدَايَا مَكَّةَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ الْحَمْلِ، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى بِهِ وَيَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَإِدَاوَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ. كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَجَازَ اسْتِحْسَانًا أَيْ لِلتَّعَارُفِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ وَالْمَعَالِيقِ وَتَقْدِيرِ الزَّادِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ أَنَّ أَجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ) أَيْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُرَ الْوِطَاءُ) يَعْنِي يَجُوزُ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَالْوِطَاءُ الْفُرُشُ الْمَفْرُوشَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>