الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) أَيْ إنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ بَدَلَهُ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَارُفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ إذَا نَفَذَ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ بَيْنَهُمْ جَرَى بِرَدِّهِ عِنْدَ نَفَاذِهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَصَارَ كَالْمَاءِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا) أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا قُلْنَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إضَافَتُهُ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ فَسْخِهِ أَيْضًا إلَى الزَّمَانِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِهِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا يُجِيزُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إجَارَةٌ فَيَجُوزُ إضَافَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ إضَافَتُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالنَّذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ بَلْ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا، وَالْإِيصَاءُ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُ الزَّائِدِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ)، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُطْلِقَ، أَمَّا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَرَقَ أَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ أَكْلٍ أَوْ بِأَكْلٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ اهـ كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ). قُلْت وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا شَهْرًا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا آجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةً بِعَشْرَةٍ أَوْ قَالَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ آجَرْتُك دَابَّتِي هَذِهِ رَأْسَ شَعْبَانَ شَهْرًا بِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ لَا تَجُوزُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إضَافَةُ الْإِجَارَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزَةٌ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ أَرَادَ نَقْضَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ النَّقْضُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَالْآجِرُ بِالنَّقْضِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدِ حَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي رَهْنِ الْجَامِعِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. شَرْحُ الْوِقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
١ -
(قَوْلُهُ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. قُلْت إذَا كَانَ الْمَعْنِيّ بِإِضَافَتِهَا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَصِحُّ إذْ فَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَاَلَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ سَابِقًا، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيضَاحٌ مِنْهُ لِصِحَّةِ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مَعْدُومَةً لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلِذَا قَالُوا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ لِانْعِقَادِهَا سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُضَافَةٌ فَلَا خَفَاءَ حِينَئِذٍ فِي جَوَازِ إضَافَتِهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ بَانَ لَك أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا كَيْفَ وَالشَّارِحُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِضَافَةُ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَافْهَمْ تَرْشُدْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَقَاصِدَهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute