للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّلَبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ وَلَا الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لَنَا أَنَّ الِابْتِغَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إذْ الْكَلَامُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَفِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّحْصِيلُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُنَجَّمًا وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَجْزَ الطَّارِئَ يُبْطِلُهَا فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّلَمِ الْحَالِّ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ

وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُومِ فَجَعَلْنَا الْأَجَلَ عِوَضًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْقُدْرَةِ لِيُمْكِنَهُ التَّحْصِيلُ فِي الْمُدَّةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَامِحُهُ وَلَا يُطَالِبُهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ الطَّلَبُ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ نَحْوَهُ وَفِي الْحَالِ وَلِأَنَّ إعْسَارَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ فِي الْمَجْلِسِ أَضْعَافَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْجَوَازُ، وَلِأَنَّ عُقُودَ الْمُدَايَنَةِ يَعْتَمِدُ صِحَّتَهَا الْأَهْلِيَّةُ دُونَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى جَازَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِجُمْلَةٍ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْطٌ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُعَيَّنًا إلَّا فِي السَّلَمِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ»، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ قَبُولُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ

وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ وَاشْتِرَاطُهُ عِلْمَ الْخَيْرِ فِيهِمْ خَرَجَ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُ إلَّا إذَا عَلِمَ فِيهِ الْخَيْرَ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] قُلْنَا الْأَمْرُ يَكُونُ لِلنَّدْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ فَكَذَا الْكِتَابَةُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ عِنْدِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ الْخَيْرَ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ أَصْلًا فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ مُفِيدًا لِلنَّدْبِيَّةِ يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٥] الْآيَةَ فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِلنَّدَبِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ جَازَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ هُوَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَلَوْ فَعَلَ جَازَ، وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحُ

وَقِيلَ الْمَالُ وَالْخَيْرُ يُرَادُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] أَيْ مَالًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرِ أَيْ مَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَسُوبَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ) أَيْ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلسَّلَمِ هُوَ الْحُرُّ وَالْحُرُّ قَادِرٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلْأَشْيَاءِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ أَدَّيْت إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِالْأَدَاءِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَلَا يَكُونُ هَذَا كِتَابَةً، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِالْبَدَلِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ أَيْ يَصِيرُ الْمَوْلَى قَابِضًا لَهُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَبَيَانُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْكِتَابَةِ فِي مَسَائِلَ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ هُنَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدَّى عَنْهُ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ يُورَثُ عَنْهُ مَعَ أَكْسَابِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ يَعْتِقُ وَلَدُهَا، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ الْمَوْلَى عَنْهُ فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى عَنْ الْأَلْفِ الْعَبْدَ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ، وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ، وَكَذَا لَوْ رُدَّ إلَيْهِ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابَةِ وَخِلَافُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَكُونُ الْبَدَلُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ فَمَتَى قَبِلَ يَزُولُ الْمُعَوَّضُ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِك وَقَبِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اهـ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ إلَخْ) ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْ الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ إقَامَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>