للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ التَّأْجِيلُ فِيهَا سَنَةً وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَالْعَجْزُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحُلُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ فَكَانَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْيِينُ الْمُسَمَّى عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ قَدْ فَاتَ فَوَجَبَ تَخْيِيرُهُ، كَمَا لَوْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْلَالُ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ إخْلَالٌ بِمَا هُوَ غَرَضُ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ صَارَ كَأَنَّهُ كُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ حَالًا، وَفِيهِ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْمَالَ حَالًا وَإِلَّا رُدِدْت فِي الرِّقِّ فَكَذَا هَذَا وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفِيدُ إثْبَاتَ الْفَسْخِ؛ إذْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ فَلَا يَنْفِي ثُبُوتَ الْفَسْخِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ الْقَاعِدَةِ.

وَالتَّأْخِيرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إمْضَاءِ مُوجِبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يُتَوَجَّهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ النَّجْمِ وَلَا بُدَّ لِلْأَدَاءِ مِنْ زَمَانٍ فَاسْتَحْسَنَّا هَذَا الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّعْجِيلِ دُونَ التَّأْخِيرِ نَظَرًا لَهُمَا وَإِظْهَارًا لِلْعُذْرِ؛ إذْ هِيَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ وَإِمْهَالِ الْمُرْتَدِّ وَإِمْهَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِمْهَالِ الْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ، وَقَوْلُهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَهَا يَعْنِي الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَفْسَخُ، وَقَوْلُهُ أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ يَعْنِي أَوْ يَفْسَخُهُ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقِيلَ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ فَمَا لَمْ يُقْبَضْ لَا تَتِمُّ فَيَفْسَخُهُ مُسْتَبِدًّا بِهِ إذَا فَاتَ غَرَضُهُ كَمَا يَسْتَبِدُّ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا الْعَبْدُ بَعْدَ الْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ فَصَارَ هَذَا فَسْخًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَادَ أَحْكَامَ الرِّقِّ) أَيْ إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ وَفَكُّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ إذْ هُوَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ كَانَ لِلْمَوْلَى وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَكَانَ لِمَوْلَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يُفْسَخْ وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تُرِكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِتَحْصِيلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

التَّأْجِيلِ نَجْمَانِ أَيْ شَهْرَانِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ مِنْ الْوَظِيفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ) وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ) أَيْ رِفْقٍ يُقَالُ رَفَقْت بِهِ وَأَرْفَقْت بِمَعْنًى كَذَا فِي الصِّحَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ إلَخْ) يَعْنِي الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِتَوَالِي نَجْمَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ دَلِيلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ صَارَ حَالًّا وَالْعَجْزُ عَنْ الْبَدَلِ الْحَالِّ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْإِمْهَالِ وَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَوْلَى الْمُدَدِ) أَيْ أَحَقُّ الْآجَالِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ) أَيْ وَهُوَ النَّجْمُ الثَّانِي فَإِذَا مَضَى الثَّانِي تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَوَجَبَ الْفَسْخُ اهـ كَاكِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ صَارَ إلَيْهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ) فَإِنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى بَعْدَ الثَّلَاثَةِ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَدْرِ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يُنْتَظَرُ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ وَالْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِحِلِّيَّتِهِ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ مِنْ الْمُدَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا مَاتَ عَبْدًا وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ وَتَفْسِيرُ الْوَفَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَسْعَى وَيُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيُجْعَلَ أَدَاؤُهُ كَأَدَائِهِ وَيُحْكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَتَرَكَ مَالًا بِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّة. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ) أَيْ الْمَوْلُودِينَ أَوْ الْمُشْتَرَيْنَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلٌ) أَيْ قَوْلُ عَلِيٍّ وا هـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ا. هـ كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>