للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَبَطَلَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ مُقْتَصِرًا أَوْ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ، وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَبْدُ لَا يَصْلُحُ مُعْتَقًا بَعْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ وَلَا إلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فِي الْحَالِ تَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ قَبْلَ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَعْتِقُ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ أَهْلًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا.

وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فَإِذَا جَازَ بَقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ وَغَيْرِهِ حَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى قَبْلَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ عَجَّزَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ يَبْطُلُ، وَاَلَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْمَوْلَى لَازِمٌ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَجْزِ وَالْمَالِكِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْقُدْرَةِ مِنْهُ لِلْعَجْزِ فَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ مَعَ أَقْوَى الْمُنَافِيَيْنِ فَمَعَ أَدْنَاهُمَا أَوْلَى، أَلَا تَرَى مَمْلُوكِيَّةَ الْعَبْدِ بَاقِيَةً بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ حَتَّى وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ.

فَكَذَا هُنَا أَيْضًا تَبْقَى الْمَمْلُوكِيَّةُ لِحَاجَتِهِ وَهِيَ أَشْرَفُ بَلْ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَدِّي لِلِاتِّبَاعِ كَالْأَوْلَادِ وَأُمَّهَاتِهِمْ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي مَكَاسِبِهِ وَبِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ فَوْقَ حَاجَةِ الْمَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرْدِيدِ قُلْنَا إنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْبَعْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ حَيًّا قَابِلًا لِلْعِتْقِ كَمَا يُقَدَّرُ الْمَوْلَى حَيًّا مَالِكًا مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي حَقِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إنَّهُ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ إمَّا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَدَاءً خَلْفَهُ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ الْأَدَاءُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالْإِسْنَادُ يَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ فِعْلُ النَّائِبِ مُضَافٌ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ شَرْعِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى يُورَثَ عَنْهُ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ السَّبَبُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَتَمَامُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، فَكَذَا هُنَا لَمَّا كَانَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ جَائِزٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِمَّا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ كَالْمِلْكِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقَ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ) أَيْ أَوَّلًا فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ) وَلَا إمْكَانَ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَنِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) أَيْ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْبَدَلِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً عِنْدَ الْقَبْضِ، وَالْمُكَاتَبُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ ذَلِكَ حَقِيقَةً عِنْدَ الْأَدَاءِ ثُمَّ قَبْضُ خَلَفِ الْمَوْلَى يُجْعَلُ كَقَبْضِ نَفْسِهِ وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ أَدَاءُ خَلَفِ الْمَكَاتِبِ كَأَدَائِهِ وَيُجْعَلُ مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَرِفْقًا حَتَّى كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَسْخِ وَشُرِعَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْفَسْخِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ.

فَلَمَّا وَجَبَ إبْقَاءُ الْكِتَابَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى فَلَأَنْ يَجِبَ إبْقَاؤُهَا لِحَاجَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَعْلِ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى جَعْلِ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ وَكَوْنُهُ مُعْتِقًا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْأَفْعَالَ وَلَا يُنَافِي الصِّفَاتِ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتِقًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا وَمِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتَقًا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَأَنْفَى لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا مِنْ كَوْنِهِ مُعْتَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمَادَاتِ تُوصَفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَلَا تُوصَفُ بِالْمَالِكِيَّةِ فَإِذَا جُعِلَ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ قِبَلَهُ) أَيْ قِبَلَ الْمُكَاتَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَوْلَى بِمَوْتِهِ فَحَقُّ الْمُكَاتَبِ وَإِنَّهُ أَلْزَمُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَلِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِسْنَادُ) إنَّمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَمَاتَ) أَيْ الرَّامِي اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَصَابَهُ) أَيْ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>