للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا مُسَاقَاةً؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ»، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا وَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ وَالْحَوَانِيتَ وَيُؤَجِّرَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، وَلَا يَرْهَنَهَا فَكَذَا مَنَافِعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ دُونَ النَّفْسِ فَيَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِذْنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ جَوَازِ بَيْعِ النَّفْسِ امْتِنَاعُ الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَيَمْلِكُ إجَارَتَهَا، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ بَلْ هُوَ نَظِيرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إجَارَةَ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَالرَّهْنُ يُوجِبُ الْحَبْسَ عَلَى الدَّوَامِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ فَيَفُوتُ بِهِ غَرَضُ الْمَوْلَى، وَهُوَ التَّحْصِيلُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ مِنْهُ، وَكَذَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ دُونَ الْعُقْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْعُقْرِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ، وَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَوَازِمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ قَدَّمَ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ مِنْ دُيُونِهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ لِلزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَتَزَوَّجُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَوْلَى بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي رَقَبَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُزَوِّجُ مَمْلُوكَهُ)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَهْرِ وَسُقُوطُ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُكَاتَبِ وَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْأَبِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلَ التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الِاكْتِسَابَ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ لِلصَّغِيرِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ مِنْ الْأَنْظَرِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا، وَمُفَاوَضَةً وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُمَا كَالْمُكَاتَبِ، وَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمَبْسُوطِ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَا يُكَاتَبُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ: وَيَتَقَبَّلُ الْأَرْضَ وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً كَمَا يَأْخُذُ الْحُرُّ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ إجَارَةُ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ يَمْلِكُ كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصِيرُ قَرْضًا، وَلَيْسَ لَهُ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ، وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ هَذَا أَشَارَ هَهُنَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ حَيْثُ جَعَلَهُ قَرْضًا، وَلَوْ أَقْرَضَهُ تَنْصِيصًا فَالْجَوَابُ هَكَذَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْحُرَّ لَوْ دَفَعَ بَذْرًا إلَى آخَرَ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ فَفَعَلَ يَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَارَعَةِ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ وَدَفْعُ الْبَذْرِ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْإِقْرَاضَ وَاسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ لَهُ فَقَدْ أَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَامِلُ عَامِلًا لَهُ بِشَرْطِ النِّصْفِ فَيَكُونُ اسْتِئْجَارًا لَهُ وَلِأَرْضِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ يَكُونُ إقْرَاضًا لَهُ فَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الْقَرْضُ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الِاسْتِئْجَارُ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ إلَيْهِ، وَقَالَ لِتَزْرَعَ لِي أَوْ أَطْلَقَ يَكُونُ الْخَارِجُ لَهُ فَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَ لِنَفْسِك يَكُونُ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ) قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ بِمَهْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَائِزٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْتَنِيَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى جَازَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى الْعَبْدِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ تَحَاصُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: كَالْمَبْسُوطِ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ) أَيْ، وَأَحْكَامُ الصِّفَارِ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْمُكَاتَبِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>