مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ ضِدَّهُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْكَثْرَةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَكْثَرِ يَحْصُلُ الِاشْتِهَارُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْكُلَّ وَلِهَذَا اكْتَفَى بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَى الْأَكْثَرِ حَتَّى لَا يُعْذَرَ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَبْلُغْهُ كَدَارِ الْحَرْبِ، وَيَبْقَى الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لَتَضَرَّرَ بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَبِلُزُومِ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ شَائِعًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمِ الْعَبْدِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِأَحَدٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَجُنُونِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) أَيْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفِ يُعْطَى لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ يَأْذَنُ لَهُ ابْتِدَاءً فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَتَرْكُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَإِنْشَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ زَالَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَكَذَا بِاللِّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُهُ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَانْعِزَالِ الْوَكِيلِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ، وَكَمَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ، وَكَالشَّرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ تَبْطُلُ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ وَتَصِيرُ عِنَانًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِالْإِبَاقِ) أَيْ وَبِالْإِبَاقِ أَيْضًا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُكْمًا حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُ سُوقِهِ كَمَا فِي الْجُنُونِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءً الْإِذْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْآبِقِ صَحَّ وَجَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَّجِرَ إذَا بَلَغَهُ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ، وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَقِيَامِ رَأْيِهِ، وَلَمْ يَخْتَلَّ ذَلِكَ بِإِبَاقِهِ فَكَيْفَ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْمَوْلَى، وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَكَانَ حَجْرًا عَلَيْهِ دَلَالَةً وَالْحَجْرُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ كَالْإِذْنِ، وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى، وَكَالَتِهِ إلَخْ)، وَلَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَتَى الْمَوْلَى أَهْلُ سُوقِهِ فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِذْنِ وَالْحَجْرِ هُوَ الْعَبْدُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ تَبَعًا، وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ وَحُكْمُ الْعَزْلِ يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِذَا بَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَ سُوقِهِ أَوْ غَيْرَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ قَائِمٌ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْغُرُورِ فَيَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَمَا اشْتَرَى، وَمَا بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ مَقْصُورٌ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَشْهَدَ الْمَوْلَى أَهْلَ السُّوقِ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ وَقَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ كَقَوْلِ الْمُرْسِلِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابُ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ حَقًّا، وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسَمَّى إذْنًا بِدُونِ الْعِلْمِ فَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِالْإِذْنِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ جَائِزًا هَذَا رِوَايَةُ الْمَأْذُونِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مِنْ زِيَادَاتِهِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَبْدِي هَذَا مِنْ ابْنِي فُلَانٍ بِكَذَا فَذَهَبَ فَبَاعَهُ فَإِنْ أَخْبَرَ الِابْنَ بِذَلِكَ صَارَ مَأْذُونًا وَصَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَبْدَ ابْنِي مِنْهُ بِكَذَا، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَلَمْ يَبِعْ، وَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ غَيْرَ مُحْضَرٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَهُوَ حَجْرٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إذْنٌ خَاصٌّ وَرَدَ عَلَيْهِ حَجْرٌ خَاصٌّ فَعَمِلَ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِإِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْغُرُورِ بِأَحَدٍ، وَلَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت كَانَ الْحَجْرُ بَاطِلًا حَتَّى يَحْجُرَ فِي أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَامًّا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُ الْعَبْدِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ كَانَ مَأْذُونًا وَالْحَجْرُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْإِذْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا إلَخْ) وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا ابْتِدَاءً الْإِذْنَ لِلْآبِقِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا بَقَاءَ الْإِذْنِ فِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute