للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالدَّلَالَةُ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا.

وَأَمَّا الْغَصْبُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَيَنْتَزِعَ كَسْبَهُ فَيَجُوزَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً دَلَالَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يَمْتَنِعُ الْإِذْنُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالِاسْتِيلَادِ) أَيْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِاسْتِيلَادِهَا الْمَوْلَى، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالتِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ كَمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ بِهِ وَنَظِيرُهُ إذَا قَدَّمَ مَائِدَةً لِإِنْسَانٍ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِالْأَكْلِ حَتَّى حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ ثُمَّ إذَا نَهَاهُ صَرِيحًا عَنْ الْأَكْلِ لَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا بِالتَّدْبِيرِ) يَعْنِي الْمَأْذُونَ لَهَا لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْ التَّدْبِيرِ وَالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ انْعِقَادُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ وَحُكْمُ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ فِكَاكَ الْحَجْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا وَبِالْبَيْعِ يُقْضَى حَقُّهُمْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ صَحَّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ أَوْ غَصْبٌ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَيَقْضِيهِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ هُوَ الْإِذْنُ، وَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ وَيَدُهُ عَلَى أَكْسَابِهِ قَدْ بَطَلَتْ بِالْحَجْرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ آخَرَ أَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ حَصَّلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عَدَمُ أَخْذِ الْمَوْلَى مَا أَوْدَعَهُ عَبْدَهُ الْغَائِبَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.

وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى، وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ وَيَدُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ صَارَ كَعَيْنِ آخَرَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَالْمَرِيضِ يُقِرُّ بِدَيْنٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِمَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَسْبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ حَتَّى يَنْفُذَ فِيهَا إعْتَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ إذَا اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ وَيَدُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ لَارْتَفَعَتْ حُكْمًا لِلْحَجْرِ.

وَشَرْطُ ارْتِفَاعِهِ بِالْحَجْرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ، وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ وِلَايَةِ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَدَمَ الدَّيْنِ لَا يُحْكَمُ بِنَفَاذِ الْحَجْرِ فِي حَقِّ زَوَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَمَّا فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ الدَّيْنِ بِدَلِيلِهِ، وَلَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ عَدَمِ الدَّيْنِ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُودِهِ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ لَمْ يُعْتَقْ إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى الدُّخُولَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الدُّخُولِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ بَايَعَهُ رَجُل ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى كَانَ آبِقًا، وَقَالَ الَّذِي بَايَعَهُ لَمْ يَكُنْ آبِقًا لَمْ يُصَدَّقْ الْمَوْلَى عَلَى إبَاقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَبِيدِ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ دُونَ التَّمَرُّدِ فَإِنْ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا، وَأَقَامَ الَّذِي بَايَعَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَرْسَلَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَشْتَرِيَ فِيهِ وَيَبِيعَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَيْضًا.

وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ، وَلَكِنْ نَقُولُ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ طَاعَةَ الْعَبْدِ، وَكَوْنَهُ مَأْذُونًا ظَاهِرًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَالْمَوْلَى يُثْبِتُ الْإِبَاقَ ظَاهِرًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْبَيِّنَاتُ حُجَّةٌ لِلْمُدَّعِينَ فَكَانَ قَبُولُ بَيِّنَةِ مَنْ هُوَ مُدَّعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِالْإِبَاقِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ زَالَ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَوْلَى بِزَوَالِ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ لَا يَعُودُ مَأْذُونًا فَكَذَا هَذَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>