للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ ثَابِتٌ لِعَدَمِ دَلِيلِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ لَمَّا جُعِلَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ بِالْعَدَمِ الثَّابِتِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُودِ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بِمِثْلِ هَذَا الْعَدَمِ فِي حَقِّ مَا فِي يَدِهِ بَقِيَ الْإِذْنُ عَلَى حَالِهِ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ لَوْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَبَطَلَ تَحْرِيرُهُ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي عَبْدِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَأْذُونَ لَهُ فَيَمْلِكُ كَسْبَهُ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ كَسْبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ أَصْلٌ، وَكَسْبَهُ فَرْعٌ وَاسْتِغْرَاقُهُمَا بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ خُرُوجَ الْمَأْذُونِ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ، وَمَلَكَ وَطْءَ الْمَأْذُونِ لَهَا فَكَذَا كَسْبُهُ الَّذِي فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ اسْتِيفَاءٌ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَوْجَبَ لَمَا حَلَّ وَطْءُ الْمَأْذُونِ لَهَا إذْ الْوَطْءُ لَا يَحِلُّ بِدُونِ كَمَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي التَّرِكَةِ، وَهِيَ كُلُّهَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَنْفُذَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَقْرَبِ أَنْفَعُ لَهُ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ دُونَ النَّقْلِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ خِلَافَهُ عَنْهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ

وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ بِخِلَافِ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لَهُ مِنْ قَبْلِ الْإِذْنِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ إعْتَاقُهُ فِيهِ فَإِذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي كَسْبِهِ يَغْرَمُ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِعْتَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبِيدِ يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَعِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ

وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا، وَلَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا، وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مِلْكُهُ بَاقٍ حَقِيقَةً، وَعِنْدَهُ صَادَفَ حَقَّ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَوَقَّفَ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ عَنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى مَلَكَ الْجَارِيَةَ نَفَذَ عِتْقُهُ

فَكَذَا إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ صَحَّ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنَ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ، وَفِي حَقِّ التَّعَلُّقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْفَرَاغُ وَبَعْضُهُ فَارِغٌ وَبَعْضُهُ مَشْغُولٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمِلْكَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُلِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ، وَلَوْ جَعَلَ الْقَلِيلَ مَانِعًا لَانْسَدَّ بَابَ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِ عَبْدِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَمْلِكُ الْوَارِثُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ سَيِّدِهِ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ فِيهِ تُهْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُضَمِّنُوا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ، وَيَرْجِعُ هُوَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ. اهـ. تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُفِيدٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ، وَالْبَيْعُ أَفَادَ الْمِلْكَ فِيهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ فِي كَسْبِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ يُضَمِّنُهُ لِلْعَبْدِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْمُضَارِبِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَاهُ يَمْلِكُ، وَلَاءَهُ رَقَبَةً وَتَصَرُّفًا هَذَا إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَمَّا إذَا بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ حَابَى فِي الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ الْجَوَابَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ فَقَالَ: وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْحُرِّ بَيَانُهُ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَ دَارًا بِجَنْبِ دَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>