حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ عَنْ إيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَ مَالِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إلَى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَابِيَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ الْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِالْمَالِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ
وَكَذَا لِبَعْضِهِمْ إذَا سَلَّمَ الْبَعْضَ، وَهَذَا الْحَقُّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ كَحَقِّ الْمَوْلَى فِي مَالِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ حَتَّى كَانَ لَهُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْقِيمَةِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِالْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ وَبَيْنَ أَنْ يُنْقِضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَيْثُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَتِهِ وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْغَبْنِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا، وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا إذْنَ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ آذِنٌ فِيمَا يَشْتَرِيهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْبَيْعِ لِلتُّهْمَةِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا
وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى فَصَارَ تَصَرُّفُهُ مَعَ مَوْلَاهُ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَ سَيِّدُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ)؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ كَانَ لِمَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّارُ لِلْمَوْلَى وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى بَاعَ دَارًا مِنْ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الزِّيَادَةَ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا سَلَّمَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَبَاعَ دَارًا مِنْ الْمَوْلَى إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِهَا جَازَ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَعِنْدَهُمَا الْمُحَابَاةُ لَا تَجُوزُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْخُنْثَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَرَاجِعْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ) أَيْ الْفَاحِشَ وَالْيَسِيرَ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ) فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَوْلَى الثَّمَنُ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوز الْمُحَابَاةُ وَالْجَامِعُ التُّهْمَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُكْمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ هَهُنَا يَجُوزُ، وَفِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِيثَارِ بِالْعَيْنِ فِيهِ تُهْمَةٌ وَالتُّهْمَةُ هَهُنَا فِي النُّقْصَانِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَتَمَامُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَتْمِيمِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَمَتَى اسْتَهْلَكَهُ تَعَذَّرَ نَقْضُهُ فَلَزِمَهُ تَتْمِيمُ الْقِيمَةِ. اهـ غَايَةٌ.
قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْكَافِي فِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى وَصَارَ الْعَبْدُ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ مَوْلَاهُ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعَ الْمَوْلَى كَالْمَرِيضِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute