مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ لِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْكَبِيرِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ، وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقِيلَ الْفَاحِشُ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِاسْتِوَاءِ الْهَالِكِ وَالْقَائِمِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَمِيلَ إلَى الْهَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِيبِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَهُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَاكِ وَالنُّقْصَانِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الرَّاجِحُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَاحِشَ هُوَ الْمُسْتَأْصِلُ لِلثَّوْبِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوْبَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْخِرَقِ، وَلَا يُرْغَبُ فِي شِرَائِهِ، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلْوَانِيِّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّ التَّعْيِيبَ هُنَاكَ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ، وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً بِأَنْ خَاطَهُ قَمِيصًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصَفَ الْعِرْقَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ الظُّلْمُ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤]؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً، وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً، وَلَا وُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذُهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيَضْمَنَ قِيمَةَ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلُ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ، وَكَبِرَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ اُسْتُحِقَّ قَلْعُهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ، وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا قَالُوا، وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قُوِّمَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْغَرْسُ حَطَبًا وَالْبِنَاءُ آجُرًّا أَوْ لَبِنًا أَوْ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهِ فِي بَعْضِ الْمَنَافِعِ. اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَامَ لَيْلَهُ) وَصَفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالْأَمْرُ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ. اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ) قَالَ فِي الْكَنْزِ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ، وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ، وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَفْيَدَ. اهـ. قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَيْ الْمُضَارِبُ. اهـ. وَقَوْلُهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ أَيْ كَالْغَاصِبِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute