؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِطَلَبِهِ فَحَصَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالتَّرَاضِي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحِنْطَةِ الْمَزْرُوعَةِ وَالنَّوَاةِ الْمَزْرُوعَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُمَا الْغَاصِبُ بِضَرْبِهِمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَوَانِيَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِهِمَا، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ الصَّنْعَةَ الْمُتَقَوَّمَةَ، وَفَوَّتَ بَعْضَ مَقَاصِدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ تَهْلَكْ مِنْ وَجْهٍ مَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَمَعْنَاهُ الثَّمَنِيَّةُ، وَهُوَ أَيْضًا بَاقٍ، وَكَذَا كَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهِمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْضًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ السَّاجَةِ إذَا بَنَى حَوْلَهَا، وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ كَيْفَمَا كَانَ فَيُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَيَأْخُذُ سَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالنَّصِّ، وَعِنْدَنَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا بِالْغَاصِبِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَضَرَرُ الْمِلْكِ مَجْبُورٌ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ آدَمِيٍّ أَوْ أَدْخَلَ لَوْحًا مَغْصُوبًا فِي السَّفِينَةِ، وَكَانَتْ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ)، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ، وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ كَالذَّبْحِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ، وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَعَ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحَبَّةَ صَارَتْ قَصِيلًا وَالنَّوَاةَ صَارَتْ نَخْلًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَصْبِ الشَّاةِ، وَذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا وَغَصْبِ الْحِنْطَةِ وَطَحْنِهَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الشَّاةِ وَالْحِنْطَةِ بَاقِيَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَوَانِي) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا إنَاءً قَالَ يَأْخُذُهَا، وَلَا أَجْرَ لِلْغَاصِبِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيدَ وَالصُّفْرَ؛ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِعَيْنِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَزْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا الْجَزُورُ. اهـ. يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْجَزُورَ، وَهِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الْجَزْرِ، وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا فِي غَصْبِ الشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الذَّبْحِ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْعَيْنَ وَضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجَزُورَ دَفْعًا لِوَهْمِ مُتَوَهِّمٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْجَزُورُ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فِيهَا مَطْلُوبًا فَكَيْفَ يَلْزَمُ النُّقْصَانُ بَلْ الذَّبْحُ زِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ لِأَجْلِهِ الْعِوَضُ فَأَجَابَ عَنْهُ، وَقَالَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُعَدًّا لِلذَّبْحِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِي الْحَيَوَانِ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَطْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ كَالذَّبْحِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ حُكْمُ قَطْعِ يَدِ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ كَحُكْمِ ذَبْحِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْعَيْنَ لِلْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَأَمَّا الدَّابَّةُ إذَا غَصَبَهَا فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَلَا يُشْبِهُ أَيْ لَا يُشْبِهُ الْخَرْقَ الْكَثِيرَ فِي الثَّوْبِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا، وَلَيْسَ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهَا بِمَا بَقِيَ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَهِيَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً أَوْ جَزُورًا فَذَبَحَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا انْتِفَاعَ الدَّوَابِّ فَصَارَتْ هَالِكَةً فَإِذَا صَارَتْ هَالِكَةً فَالْغَاصِبُ مُسْتَهْلِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَتَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ لَا يَكُونُ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعَ الثِّيَابِ فَلَا يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ بِلَا خِيَارٍ بَلْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا بِلَا خِيَارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute