للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَالْكَسْرُ هُوَ الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أُولِي الْأَمْرِ كَالْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ فَبِأَمْرِ الشَّرْعِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَلَا تَبْطُلُ قِيمَتُهُ لِأَجْلِ اللَّهْوِ كَاسْتِهْلَاكِ الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ.

وَقَدْ وُجِدَ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى أُولِي الْأَمْرِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إلَّا بِاللِّسَانِ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِتْلَافِ بِالْمَنْعِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ اللَّهْوِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ وَتَجِبُ قِيمَةُ السَّكَرِ وَالْمُنَصَّفِ لَا الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ، وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَيْنِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ، وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ فِي الْعُرْسِ أَوْ الْغَزْوِ فَيَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ شَقَّ زِقًّا فِيهِ خَمْرٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِإِمْكَانِ الْإِرَاقَةِ بِدُونِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ الْإِرَاقَةُ إلَّا بِهِ.

وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الدِّنَانَ لَا تُضْمَنُ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الْعَدْوَى وَالْأَعْدَاءِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُهْدَمُ الْبَيْتُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ، وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ حَتَّى قَالُوا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ، وَقِيلَ يُرَاقُ الْعَصِيرُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيَقْذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَحْرَقَ الْبَيْتَ عَلَى الثَّقَفِيِّ حِينَ سَمِعَ شَرَابًا فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ هَجَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى نَائِحَةٍ فِي مَنْزِلِهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا فَقَالَ: إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا وَتَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهِ لَا حُرْمَةَ لَهَا قِيلَ مَعْنَاهُ إنَّهَا لَمَّا اشْتَغَلَتْ بِمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ بِمَا صَنَعَتْ حُرْمَتَهَا وَالْتَحَقَتْ بِالْإِمَاءِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ خَرَجَ عَلَى بَعْضِ نَهْرٍ، وَكَانَ النِّسَاءُ عَلَى شَطِّهِ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ وَالذِّرَاعِ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ وَالثَّالِثُ لِلْعَوَامِّ. اهـ. اُنْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ خَشَبًا مَنْحُوتًا، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مُخَلَّعًا إنَّمَا الَّذِي يَحْرُمُ مِنْهُ التَّأْلِيفُ، وَقَالَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ اُشْتُرِيَ لِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَيُنْظَرُ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِيَجْعَلَهُ وِعَاءً لِلْمِلْحِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِكَمْ يَشْتَرِي فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ الْقُطْنُ فِيهِ، وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةً يُجْعَلُ فِيهَا الثَّرِيدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلِيبِ) أَيْ الَّذِي لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَوْ كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ طَبْلُ الصَّيْدِ أَوْ دُفٌّ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي طُنْبُورٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِمَا حَتَّى قَامَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت أَنَا لَقَضَيْت بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا كَسَرْتُهُ، وَعَزَّرْتُهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَسَرَهُ وَالْآخَرُ يَطْلُبُ الضَّمَانَ جَزَيْتُ الَّذِي كَسَرَ أَجْرًا وَعَزَّرْتُ الْآخَرَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ بَعْضِ النَّاسِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَازِفِ فَكَسَرَهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالَا إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ إذَا كَانَ لِلَّهْوِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ الصَّيَّادِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ، وَكَذَلِكَ الدُّفُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهْوِ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ إذَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَحْرَقَ الرَّجُلُ بَابًا مَنْحُوتًا عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مَنْقُوشَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَنْقُوشٍ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَنْقُوشًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَقْشَ التَّمَاثِيلِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَقَوَّمَ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَا يَتَقَوَّمُ الْغِنَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِذَا قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ فَذَلِكَ نَقْشٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَيُقَوَّمُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ فِيمَنْ أَحْرَقَ بِسَاطًا فِيهِ تَصَاوِيرُ رِجَالٍ ضَمَّنْته مُصَوَّرًا لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبِسَاطِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِسَاطَ يُوطَأُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً ضَمَّنْتهَا، وَقَالَ فِيمَنْ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ تَمَاثِيلُ ضَمَّنْته قِيمَةَ الْبَيْتِ، وَأَصْبَاغَهُ غَيْرَ مُصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبَيْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عَلَى الْكَاسِرِ بِإِذْنِهِمْ. اهـ غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) اُنْظُرْ الصَّفْحَةَ السَّابِقَةَ فِي الشَّرْحِ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>