للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسْتَحَقُّ بِهِ السُّفْلُ عَلَى أَنَّهُ مُجَاوِرُهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ طَرِيقَ السُّفْلِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ بِالطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ وَهُوَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ كَالْعَقَارِ وَلَا كَذَلِكَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ فَلَا تُسْتَحَقُّ بِهِمَا الشُّفْعَةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارٍ جُعِلَتْ مَهْرًا أَوْ أُجْرَةً، أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ، أَوْ عِوَضِ عِتْقٍ أَوْ وُهِبَتْ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْرَعْ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى بِلَا صُورَةٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْعَقَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ وَلَا مِثْلَ لَهَا حَتَّى يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهَا فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَيُؤْخَذُ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِعِوَضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِهَا شَرْعًا وَالضَّمَانُ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ قِيمَةً لَهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِلَا عِوَضٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا لِلشُّرَكَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَذِهِ الْعُقُودِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا هِيَ مِثْلُ الْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَصْلُحْ الْمَالُ قِيمَةً لَهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ وَلَا اتِّحَادَ فِي الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَكُونُ قِيمَةً لَهَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مَضْمُونَةً بِالْمَالِ إمَّا لِخَطَرِهَا أَوْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَكُونُ مُتَقَوِّمَةً فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بِمُقَابَلَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ السَّبَبِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ

وَهُنَا لَوْ أَخَذَهُ كَانَ يَأْخُذُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نِكَاحٌ أَوْ إجَارَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ أَصْلًا وَلَوْ أَخَذَهُ لَكَانَ بَيْعًا وَفِيهِ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَشْرُوعَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا عَقَارًا مَهْرًا لَمْ تَكُنْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْبُضْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْعَقَارَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَاهَا مِنْ الْعَقَارِ بَدَلٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ دُونَ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ، وَبَقَاءَ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ اسْتِحْسَانٌ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَمَّا إذَا بِيعَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَاعَ الْعَرْصَةَ بِحُقُوقِهَا فَتَتَعَلَّقُ الشُّفْعَةُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ السُّفْلَ دُونَ الْعُلُوِّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ» وَلِأَنَّ التَّأَذِّي يُخَافُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبُقْعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهُوَ كَنَفْسِ الْبُقْعَةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إنَّمَا هُوَ الْعُلُوُّ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا لِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ مُتَأَبِّدٌ فَهُوَ كَالْعَرْصَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عُلُوٌّ فِي دَارٍ وَطَرِيقُهُ فِي دَارٍ أُخْرَى إلَى جَنْبِهَا فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ فَأَصْحَابُ الدَّارِ الَّذِي فِيهِ الطَّرِيقُ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْعُلُوُّ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الطَّرِيقِ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ وَلِلْعُلُوِّ جَارٌ مُلَاصِقٌ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لِلْعُلُوِّ وَالتَّسَاوِي فِي الْجِوَارِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ مَهْرٍ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا مَهْرًا أَوْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ جَعَلَهَا لَهَا مَهْرًا أَوْ أَعْطَاهَا إيَّاهَا مَهْرًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا تَكُونُ الدَّارُ عِوَضًا إذْ الصُّلْحُ وَالْعِوَضُ يَكُونُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا) أَيْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ لَهُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ جَارٌ بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارًا لَهُ خَاصَّةً وَالْمُضَارِبُ شَفِيعُهَا بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَارٌ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ لَمْ يَأْخُذْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ تَابِعًا) وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلُ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ وَكُلُّ مَنْ بِيعَ لَهُ لَا تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي التَّبَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. .

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ) اُنْظُرْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>