للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، ثُمَّ فِي الْأَصَحِّ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يَبْتَنِي عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَنْقَطِعُ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهَا، وَإِمَّا عِنْدَهُ فَلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهُ وَالشَّرْطُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ

وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَسْقُطَ خِيَارُهُ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءَ؛ إذْ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَلَى الدَّوَامِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَخْذِ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فَيَصِيرُ إجَازَةً فَيَلْزَمُ وَيَمْلِكُ بِهِ الْمَبِيعَ وَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ أَنْ يَرَى الْأُولَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا ثَابِتٌ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ، أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ هُنَا إذَا أَخَذَ الْمَشْفُوعَةَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّفِيعَ أَوْلَى مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ فِي حَقِّهَا، وَاتِّصَالُهَا بِالْمَشْفُوعَةِ لَا يُفِيدُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا وَقْتَ بَيْعِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بَلْ كُلُّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا وَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ شَفِيعُ الْأُولَى بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ لِهَذَا الَّذِي جَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الْأُولَى بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِيعَتْ فَاسِدًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ) أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا حَتَّى يَسْقُطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَيْءٍ يُسْقِطُهُ كَالْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مِلْكُ الْبَائِعِ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ يُفِيدُهُ لَكِنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بَاقٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ تَقْرِيرُهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَتَحَوَّلَ ذَلِكَ الْفَسَادُ بِعَيْنِهِ إلَى الشَّفِيعِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِأَجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ صَارَ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَجَازَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ

وَإِنْ فَسَخَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُجِيزَ وَلَا يَفْسَخَ حَتَّى يُجِيزَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَوْ يَجُوزَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَحِينَئِذٍ لَهُ الشُّفْعَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ بِضَمَانِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى دَارًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لَهُ كَاشْتِرَاطِهِ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الَّتِي هِيَ الثَّلَاثُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ وُجُودِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ الرُّؤْيَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ) أَيْ مِلْكٍ لَهُ آخَرَ غَيْرِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي النَّقْضِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا مَلَكَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ عِنْدَنَا يُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>