للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ

وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَضَرُّرُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَحِقَهُ بِالْمَنْعِ ضَرَرٌ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ، وَالْآخَرَ رَاضٍ بِضَرَرِ نَفْسِهِ فَيُجِيبُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُ الْكَثِيرِ فَقَدْ طَلَبَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَصِيبِهِ فَيُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ ذَلِكَ

وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَقْسِمُ بِطَلَبِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْصِيلُهَا لَا تَفْوِيتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا أَدَّتْ الْقِسْمَةُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَعْضِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى ضَرَرٍ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ كُلُّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَكَمَا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُلْنَا إنَّ طَالِبَ الْقِسْمَةِ يَطْلُبُ حَقَّهُ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِهِ وَيُمْنَعَ غَيْرُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إيصَالُ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَلَا يُبَالَى بِهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ لَمَا وَصَلَ أَحَدٌ إلَى حَقِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عَنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْسَمُ جِنْسَانِ وَالْجَوَاهِرُ وَالرَّقِيقُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَيْهَا عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ لَا تُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَتُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا لَا تُقْسَمُ، وَإِنْ اتَّحَدَ تُقْسَمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ.

وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَصَحَّ تَسْمِيَتُهُ فِي النِّكَاحِ مَهْرًا وَنَحْوَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الرَّقِيقِ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَيُحْسِنُ التِّجَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّنَائِعِ كَالْكِتَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَتَعَذَّرَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُبَادَلَةٌ وَلَا جَبْرَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَبَيَّنْ الرِّبْحُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ) يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَا عَنْ تَعَنُّتٍ، وَالتَّعَنُّتُ طَلَبُ الْعَنَتِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَا الْقِسْمَةَ جَمِيعًا وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَلَيْسَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهَذَا الضَّرَرِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَقْسِمْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَعَنِّتٌ مُضِرٌّ بِالْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ يَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ كَثِيرٌ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَقْسِمُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ: دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لِأَحَدِهِمَا كَثِيرٌ وَالْآخَرِ قَلِيلٌ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَجَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا أَمْنَعُ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَسَمْته أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. غَايَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>