للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَتَبَيَّنَ كَالثَّوْبَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ. وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ وَفِي غَيْرِ الْغَنَائِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَامْتَنَعَ الْقِسْمَةُ فِيهِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا يُقْسَمُ الْجِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إلْحَاقِ الْإِضْرَارِ بِالْكُلِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الدُّورَ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَفِي الْمَالِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الشُّرَكَاءِ، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ، وَإِذَا قُسِمَ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا فَكَانَ الرَّأْيُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى ثَوْبٍ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ.

وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فَيُقْسَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ مُتَقَارِبٍ كَالْقَمْحِ يُقْسَمُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الشَّعِيرُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الثِّيَابُ الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ وَتِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْأَوَانِي مِنْهَا يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ بُيُوتِ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مَحَالَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّرَرِ، وَالتَّفَاوُتُ أَيْضًا يَسِيرٌ بِخِلَافِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ الْمُتَلَازِقَةِ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةِ كَالدُّورِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ إنَّ إجَارَةَ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا فِيهَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ) أَيْ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْدِلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ، وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ)؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ تَكْمُلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ) فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يُقْسَمُ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ اهـ قَاضِيخَانْ.

(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ دَارٌ وَأَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ لَمْ يُجْمَعْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَقُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَتِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَصَّافُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ) أَيْ فَإِذَا كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا يُقْسَمَانِ قِسْمَةً وَاحِدَةً.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ مُؤَلِّفُ الْمَتْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ النَّافِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَصْفَى مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ صُورَتُهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِلْآخَرِ ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ سُدُسٌ يُلَقِّبُ النِّصْفَ بِالْأَوَّلِ وَالثُّلُثَ بِالثَّانِي وَالسُّدُسَ بِالثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ السُّدُسُ أَوَّلًا يُدْفَعُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهُ النِّصْفُ يُضَمُّ إلَى مَا يَلِيهِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ النِّصْفُ وَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَخْ اهـ فَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَمَّا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الثَّانِي وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الثَّالِثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَيْسَ لَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بَلْ لَهُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>