للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَكْمِيلُ وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ فِيهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْحُقُوقِ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.

وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِفْرَازِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِهِ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ بِطُولِهِ أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ إنْ كَانَ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ كِفَايَةً فِي الدُّخُولِ فَكَذَا فِي السُّلُوكِ فَيَبْقَى مِلْكُهُمْ فِي الطَّرِيقِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا كَانَ وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ فِي الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْضًا يَرْفَعُ قَدْرَ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي الْمُرُورِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ كَالْبِئْرِ وَالسِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْبُلْدَانِ وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَبْقَى أَيْضًا بَعْدَ انْهِدَامِ الْعُلُوِّ وَالْعُلُوُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ انْهِدَامِ السُّفْلِ فَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ ضِعْفَ الْعُلُوِّ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى

وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَاسْتَوَيَا فِي الِانْتِفَاعِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقِسْمَةِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ بِنَاءٌ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي قِسْمَةِ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قِيمَةَ الْعُلُوِّ أَكْثَرُ كَمَا فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ، وَفِي بَعْضِهَا قِيمَةَ السُّفْلِ أَكْثَرُ كَمَا فِي الْكُوفَةِ وَقِيلَ فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ وَالسَّبَخُ يُخْتَارُ الْعُلُوُّ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَيَكْثُرُ الرِّيحُ فِيهِ يُخْتَارُ السُّفْلُ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِيهِمَا إلَّا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ السُّفْلَ عِنْدَهُ ضِعْفُ الْعُلُوِّ فَيُقَابِلُ السُّفْلُ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَاسْتَوَيَا وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ مِثْلُ السُّفْلِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَتَفَاوَتَانِ فَبَقِيَ الثُّلُثُ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ يُقَابِلُ الْعُلُوَّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ السُّفْلَ يُقَابِلُ ضِعْفَهُ مِنْ الْعُلُوِّ

وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ) أَيْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ) أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ الْوَاحِدَ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَإِذَا ضُرِبَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ يَكُونُ مِائَةً فَيَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُقَابِلُ السُّفْلُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَاسْتَوَيَا إلَخْ) فَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَدْرُ ثُلُثَيْهِ) أَيْ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الثُّلُثُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ سَوَاءً فَيَكُونُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ أَوْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>