السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ فَيُقَابِلُ نِصْفُهُ الْعُلُوُّ نِصْفَهُ الْآخَرَ السُّفْلَ لِاسْتِوَاءِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِنْدَهُ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُهُ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ إنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ، قُلْنَا: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَغْنَمًا إلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ تُوَافِقُهُمَا عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوهُ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ مَعَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ حَيْثُ شَرَطَ لِلتَّحَالُفِ أَنْ لَا يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ فَإِذَا مُنِعَ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ اسْتَوْفَيْت وَأَخَذْت بَعْضَهُ صُدِّقَ خَصْمُهُ بِحَلِفِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَى أَنَّ ذَا حَظُّهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَالنَّظَرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ قِيلَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا تُنْقَضُ لِظُهُورِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِيهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا وَقَعَتْ بِالْقَضَاءِ يَجِبُ نَقْضُهَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا) أَيْ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ) أَيْ بِكَلَامِ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي هُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) أَيْ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ) أَيْ فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لَهُ بِتَمَامِ حَقِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا وَقَالَ التَّنَاقُضُ عَفْوٌ فِي مَوْضِعِ الْخُلَفَاءِ كَالْعَبْدِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَأَشْهَدَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى الْوَفَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ التَّمَامِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ: دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَأَنْتُمْ قَوَّمْتُمُوهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَدَعْوَى الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الشَّافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْبَلْخِيّ: إنَّ هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ قِيلَ تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ قِيلَ لَا تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ