للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ، وَمَنْفَعَةَ الْبَقَرِ الشَّقُّ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ، وَشَرْطُ التَّبَعِيَّةِ الِاتِّحَادُ فَصَارَ شَرْطًا مُفْسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَقَرُ مَعَ الْعَامِلِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِاتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلُ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا فَصَارَ نَظِيرُ الْبَقَرِ وَالْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ، وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِعَمَلِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فَفَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ أَوْ الْأَرْضَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ، أَوْ الْأَرْضِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ إذْ اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ مُشَارٍ إلَيْهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ، أَوْ الْعَامِلِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً، أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ الْخَرَاجَ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْكُلِّ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، أَوْ قُفْزَانًا مُسَمَّاةً، أَوْ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْخَارِجِ، أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَلَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُ رَفْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ الْحِيلَةُ لِرَفْعِ قَدْرِ بَذْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ وَكَذَا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ صَحَّتْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ) أَيْ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهَا كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّبِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ الشَّقُّ) أَيْ وَهُوَ إقَامَةُ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي لِآخَرَ) فَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا بِالْبَذْرِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ) فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَقَرُ وَحْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ كَذَا فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ مُلَّا مِسْكِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ أَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ أَوْ الْعَمَلُ أَوْ الْبَذْرُ أَوْ الْبَقَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ: الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ وَالثَّالِثُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرَّابِعُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَاثْنَانِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَعَ الْبَذْرِ أَوْ مَعَ الْبَقَرِ أَوْ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِيَانِ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ دُونَ الْآخَرَيْنِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ) أَيْ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ وَذَلِكَ وَرَدَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا وَمَا سِوَاهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ شَرْطًا يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ عَنْ الْخَارِجِ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا انْعَقَدَ لِيَصِيرَ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَمَتَى انْقَطَعَ احْتِمَالُ الشَّرِكَةِ بَقِيَ إجَارَةً مَحْضَةً بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِلْآخَرِ الْحَبُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ. اهـ. غَايَةٌ.

(فَرْعٌ) إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَيَكُونُ التِّبْنُ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَ وَكَذَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَوْ الزَّرْعُ أَوْ الرِّيعُ بَيْنَهُمَا جَازَ وَيَكُونُ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْخَارِجِ يَتَنَاوَلُهُمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ إلَخْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ التِّبْنَ مَقْصُودٌ كَمَا أَنَّ الْحَبَّ مَقْصُودٌ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ لَا بَذْرَ لَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ بَيْنَهُمَا وَسَكَتَا عَنْ الْحَبِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ فَالسُّكُوتُ عَنْ الْمَقْصُودِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>