فِي الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ: التِّبْنُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخَالِفُ مُوجَبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَحَّتْ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهَا إمَّا إجَارَةٌ، أَوْ شَرِكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً فَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَبَى عَنْ الْمُضِيِّ أُجْبِرَ إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ) لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ، غَيْرَ أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا كَانَ مَعْذُورًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ فَلَا يَفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مِنْ قَبْلِهِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَيُفْتَى بِإِرْضَائِهِ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا عَقَدَاهَا لِأَنْفُسِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ يَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ ذَلِكَ الزَّرْعُ ثُمَّ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ فَيَعْمَلُ الْعَامِلُ أَوْ وَرَثَتُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا حُصِدَ يُقْسَمُ عَلَى مَا شَرَطَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاقِي فَتَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إتْلَافُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ يُفْتَى بِإِرْضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِالِامْتِنَاعِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَبِيعَتْ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذَا عُذْرٌ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَتَقْوِيمُهَا وَقَعَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُمَاطِلًا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِالْمُمَاطَلَةِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْحَبَّ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ وَأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الثَّمَرُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغِرَاسُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغِرَاسُ الْأَصْلُ هُوَ التِّبْنُ وَالْغِرَاسُ، وَالْفَرْعُ هُوَ الْحَبُّ وَالثَّمَرُ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْهُمَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ شَرَطَا الْحَبَّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنْ شَرَطَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَاهُ لِلْآخَرِ فَسَدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَا أَنَّ الْحَبَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ) الظَّاهِرُ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ عُذْرٍ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِمَّا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَيَكُونَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُفْتَى) هَذَا إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَّا لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ كِرَابِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ إلَيْهِ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْهَا بَعْدَ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ حَقُّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ إلَّا أَنَّا بَقَّيْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْعُذْرِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ جُوِّزَ لِلْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى لِلْعُذْرِ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَلَمَّا تَوَجَّهَ لُجَّةَ الْبَحْرِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَدَّرْنَا عَقْدَ إجَارَةٍ مُبْتَدَأٍ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَإِذَا قَدَّرْنَا عَقْدًا مُبْتَدَأً لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى الْمُزَارِعُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَادِحٌ) الْفَادِحُ الثَّقِيلُ يُقَالُ فَدَحَهُ الْأَمْرُ أَثْقَلَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْفَادِحُ بِالْفَاءِ. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالْأَعْذَارُ ثَلَاثَةٌ الْمَرَضُ الَّذِي يُقْعِدُ الْعَامِلَ عَنْ الْعَمَلِ، وَخِيَانَةُ الْعَامِلِ وَالدَّيْنُ الَّذِي لَا وَفَاءَ بِهِ عِنْدَهُ سِوَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْغَرَضِ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ لِأَنَّهُ بَعْدُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْمُزَارِعِ وَيَضْمَنُ لَهُ بَذْرَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute