عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْهَدْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْوَاحِدَةُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَيِّمُ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ.
يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ»، وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَانِ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السُّبْعِ يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَلَوْ اقْتَسَمُوهُ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ مَعَهُ سِتَّةٌ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا، وَفِي الِاشْتِرَاكِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً، وَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ، وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيَشْتَرِيهَا ثُمَّ يَطْلُبُ الشُّرَكَاءَ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَحَرَجُوا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَلَا يَشْتَرِي حَتَّى يَجْتَمِعُوا قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَذَبَحَ غَيْرُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ أَنْ يَذْبَحُوا الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَبْحُ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ يَجُوزُ لَهُمْ ذَبْحُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا عَنْهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ عَنْ الْقَرَوِيِّ إذْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَفِي الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ فَيُضَحِّي فِيهِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لِأَنَّ، وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ مَكَانُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمَالُ لِإِمْكَانِ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَكَانُ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ فَيَكُونُ الذَّبْحُ عَقِيبَ صَلَاةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَعَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَقِيلَ يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ فَكَانَ أَصْلًا وَالْآخَرُ كَالْخَلَفِ عَنْهُ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْحَسَنِ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَخَّرُوا التَّضْحِيَةَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ ذَبَحُوا، وَلَا تُجْزِئُهُمْ التَّضْحِيَةُ مَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ تُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ الْغَدِ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ، وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَلَا يَظْهَرُ هَذَا فِي حَقِّ التَّضْحِيَةِ، وَقَالَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَجَعَلْنَاهُ عُذْرًا فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَصِيَانَةً لِأَضَاحِيِّهِمْ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبَلَدِ فِتْنَةٌ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ صَارَتْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالسَّوَادِ، وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَصَلَّى ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ فَيُحْكَمُ بِالْجَوَازِ صِيَانَةً لِجَمْعِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَمْ تَجُزْ عَنْهُمَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ أَقَلُّ مِنْ السُّبْعِ. اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبْعٍ، وَنِصْفُ السُّبْعِ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا صَارَ لَحْمًا صَارَ الْبَاقِي لَحْمًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ شَرْحَ قَوْلِهِ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ لَا مَكَانُ الْمَالِكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْسَانِ) أَيْ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ. اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute