للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ وَلِهَذَا جَازَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْفَاسِقِ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي خَبَرِهِ فِي الدِّيَانَاتِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ كَمَا فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا.

وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانُوا عُدُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ التَّوْكِيلُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى النِّزَاعِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ نَجَسٌ تَيَمَّمَ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا تَحَرَّى فِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَسْتُورًا فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ تَيَمَّمَ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ أَرَاقَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِيهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِرَاقَةِ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْكَذِبِ، وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ.

وَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَأَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ ضِدِّهِ، وَمِنْ الدِّيَانَةِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ الْمَقْصُودَانِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالُ الْمِلْكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ أَنْوَاعٌ أَحَدُهُمَا خَبَرُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ وَالثَّانِي خَبَرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجَصَّاصِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ عِنْدَهُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثُ: حُقُوقُ الْعِبَادِ فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْعَدَدُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَالرَّابِعُ حُقُوقُ الْعِبَادِ: فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ يُقْبَلُ فِيهَا عِنْدَهُمَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ، وَالْخَامِسُ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْثِلَةَ كُلِّ قِسْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَمِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالشَّهَادَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ يَقْعُدُ، وَيَأْكُلُ) أَيْ إذَا حَدَثَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ هُنَاكَ بَعْدَ حُضُورِهِ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ، وَلَا يَتْرُكُ، وَلَا يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَتْ الْبِدْعَةُ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُبْتُلِيتُ بِهَذَا مَرَّةً هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ، وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ، وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨]، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَهَا فَلَا يَحْضُرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ.

«، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ» رَوَاهُ دَاوُد وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ، وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيتُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْحِرَ وَالْمَعَازِفَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالٌ) أَيْ كَإِخْبَارِ الْعَدْلِ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَهْرُ رَمَضَانَ) أَيْ الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ) لَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ تَرْكِهَا لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهِيَ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ) أَيْ حَالَ شَبَابِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ احْتِرَامًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ لَا يَتْرُكُونَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ امْرَأَةٌ سَأَلَتْ أَبَا يُوسُفَ عَنْ الدُّفِّ أَتَكْرَهُهُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْزِلِهَا وَالصَّبِيِّ قَالَ فَلَا أَكْرَهُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ اللَّعِبُ الْفَاحِشُ وَالْغِنَاءُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>