للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَمُوذَجًا وَنَظِيرُهُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ فَكَذَا الْكَثِيرُ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ كُرْسِيِّ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ فِي حَقِّهِ إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ فَلَا يَكُونُ نَمُوذَجًا؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَمُوذَجًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ نَمُوذَجًا إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُبْسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ)؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسْدَى بِالْحَرِيرِ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ أَوْ نَقُولُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُمَا، وَهُوَ اللُّحْمَةُ؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعَكْسُهُ حَلَّ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) أَرَادَ بِهِ عَكْسَ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلُّحْمَةِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ ضَرُورَةً، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ، وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إمَّا حَرِيرٌ خَالِصٌ أَوْ مَخْلُوطٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ سُدًى أَوْ لُحْمَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ فَلَا يَكُونُ ثَوْبًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَتَحَلَّى الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَثْنَى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ فِضَّةٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ فِي طَلَبِهِ مَالًا عَظِيمًا فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا يَتَخَتَّمُ بِغَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ ثُمَّ عَادَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا شَرٌّ مِنْهُ هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ».

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ وَالتَّخَتُّمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: نَمُوذَجًا) النَّمُوذَجُ بِالْفَتْحِ وَالْأُنْمُوذَجُ بِالضَّمِّ تَعْرِيبُ نموده، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَذَّةَ مَا وُعِدَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ، وَيَرْغَبُ فِي سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ) أَيْ، وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا الْكُرْسِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ الْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ أُنْمُوذَجًا إلَى الْكَامِلِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ أَيْ الْكُرْسِيُّ فِي الدُّنْيَا. اهـ. .

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّدَى وَزَّانُ الْحَصَى مِنْ الثَّوْبِ خِلَافُ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ مَا يُمَدُّ طُولًا فِي النَّسْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُلْحَمُ مِنْ الثِّيَابِ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ إبْرَيْسَمٍ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَتِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ مَا يُنْسَجُ عَرْضًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ لُغَةً، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَاللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَالْفَتْحُ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: الْخَزَّ) الْخَزُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُتَّخِذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ، وَهُوَ تَرْكِيبُ السَّدَى بِاللُّحْمَةِ فَكَانَ صَيْرُورَتُهُ ثَوْبًا مُضَافًا إلَيَّ اللُّحْمَةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي إبَاحَةَ الْعَتَّابِيِّ وَنَحْوِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي أَنَّ السَّدَى لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ يُكْرَهُ لُبْسُهُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ) أَيْ شِدَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْقَزِّ) الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. مِصْبَاحٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْفِضَّةِ) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ) فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ النَّاسِ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْفَصِّ يَكُونُ فِيهِ الْحَجَرُ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ النَّهْيَ حَيْثُ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْقَضَّةِ، وَمَنْ النَّاسِ مَنْ أَبَاحَ التَّخَتُّمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالصُّفْرِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْكِتَابِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا التَّخَتُّمَ بِالْيَشْبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَّا الْيَشْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>