للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالذَّهَبِ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ»؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ التَّخَتُّمِ وَالنَّمُوذَجِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى، وَهِيَ الْفِضَّةُ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الْحَجَرِ، وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنْيَةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ يَخْتِمُ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ، وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اتَّخِذْهُ مِنْ الْوَرِقِ، وَلَا تُزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ)، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ) أَيْ يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ كِلَابٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ»؛ وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا فَإِذَا حَلَّ التَّضْبِيبُ بِأَحَدِهِمَا حَلَّ بِالْآخِرِ. وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا حَرَامٌ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْأَدْنَى، وَهُوَ الْفِضَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْفِضَّةِ حَيْثُ أَنْتَنَتْ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِي السِّنِّ وَالْمَرْوِيَّ فِي الْأَنْفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ فِي الْأَنْفِ عَدَمُ الْإِغْنَاءِ فِي السِّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّخَتُّمَ جَازَ لِأَجْلِ الْخَتْمِ ثُمَّ لَمَّا، وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْأَدْنَى لَا يُصَارُ إلَى الْأَعْلَى، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَنْفِ فَكَذَا هُنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَصَّ عَرْفَجَةَ بِذَلِكَ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا)؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا الصَّبِيَّ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَمُخَاطٍ وَالرَّتَمُ) أَيْ لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَلَا الرَّتَمُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَتَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْسَحُونَ بِأَطْرَافِ أَرْدِيَتِهِمْ، وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ، وَتَكَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَلَا الرَّتَمُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ لَوْ حَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَا إذَا كَانَا لِحَاجَةٍ، وَيُكْرَهَانِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالرَّتَمُ هِيَ الرَّتِيمَةُ، وَهِيَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ قَالَ الشَّاعِرُ.

إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ

، وَقِيلَ الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ

هَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ ... كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ

وَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذَا الشَّجَرِ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ، وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي، وَإِذَا أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ أَوْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ أَوْ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَفِي الْأَجْنَاسِ، وَيَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يَلْبَسُهُ فِي الْيُمْنَى، وَلَا فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصَابِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَسَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ التَّخَتُّمُ إنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى التَّخَتُّمِ بِأَنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى التَّخَتُّمِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) وَالشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كِلَابٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالْكَافِ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ وَادٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ فِي حَدِيثِهَا طُولٌ وَلِلْعَرَبِ فِيهَا أَشْعَارٌ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْكُلَابُ وِزَانُ غُرَابٍ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ بِهِ، وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَهُوَ عَنْ الْيَمَامَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَكَرِهَ إلَخْ)، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُكْرَهُ. اهـ. ع

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَكَبُّرًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ، وَمَنْ فَعَلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَنَظِيرُهُ التَّرَبُّعُ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءُ قَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ نَخْوَةً، وَتَكَبُّرًا، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ) وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتَّلْعَابِ وَالتَّهْذَارِ وَالْبَيْتُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هَلْ يَنْفَعَنك بِلَفْظِ هَلْ، وَهُوَ الْقِيَاسُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءُ رَوَوْهُ فِي كُتُبِهِمْ لَا يَنْفَعَنك بِحَرْفِ النَّفْيِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ لَا يَدْخُلُ فِي النَّفْيِ إلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ، وَقَوْلُهُ: هَمَّتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>