لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا مَوْضِعَ الْمِئْزَرِ قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ بَلْ أَوْلَى لِكَمَالِ الشَّهْوَةِ فِيهَا، وَقِلَّتِهَا فِي الْمَحَارِمِ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ النَّظَرَ إلَى ظَهْرِهَا لَا يَجُوزُ لِابْنِهَا لِصِحَّةِ ظِهَارِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا خُلْفٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ اشْتَهَى) أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يَمَسَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَالرَّأْسِ، وَتَقْلِيبِ شَعْرِهَا، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَيَجُوزُ مَسُّهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَجُوزُ كَالنَّظَرِ إلَّا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ، وَتَحِلُّ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَالِجَهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَوْرَةِ، وَإِنْ عُدِمَ بِالسُّتْرَةِ فَمَعْنَى الشَّهْوَةِ بَاقٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ يَبْعَثُهَا فِي حَاجَةٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَلَا يَجِدُ مَحْرَمًا يَخْرُجُ مَعَهَا، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا، وَيُنْزِلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةَ الْمَرْأَةِ قَدْ تَكْبِسُ رِجْلَ زَوْجِهَا، وَتَخْلُو بِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَوُجُودُ الْحَاجَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُمَا وَاَلَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠]، وَهُمْ ذُكُورٌ مُؤْمِنُونَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَصِيَّ ذَكَرٌ يَشْتَهِي، وَيُجَامِعُ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ جِمَاعًا؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ فَصَارَ كَالْفَحْلِ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَهِي، وَيُسْحِقُ، وَيُنْزِلُ وَحُكْمُهُ كَأَحْكَامِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَطْعُ تِلْكَ الْآلَةِ كَقَطْعِ عُضْوٍ آخَرَ مِنْهُ فَلَا يُبِيحُ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الِاخْتِلَاطَ مَعَ النِّسَاءِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: ٣١] فَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ بَلْ هُوَ مِنْ الْفُسَّاقِ فَيُبْعَدُ عَنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَنَّثًا لِتَكَسُّرٍ وَلِينٍ فِي أَعْضَائِهِ وَلِسَانِهِ، وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: ٣١]، وَقِيلَ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، وقَوْله تَعَالَى {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] مُحْكَمٌ فَنَأْخُذُ بِهِ وَنَقُولُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الْبَاطِنَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: ٣١].
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ) أَيْ عَبْدُ الْمَرْأَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ الرِّجَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: ٣١]، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١]؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهَا إلَى مَا تَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَيْهَا لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الْجَوَازِ فِي حَقِّهَا، وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ يُفِيدُ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمَحَارِمِ لِحَاجَةِ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ كَالْمَحْرَمِ لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ بَلْ هُوَ مَحْرَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ لَا فِي الذُّكُورِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يُشْكِلُ بَلْ هُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابِّ مَسَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالنَّظَرِ كِفَايَةً، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ بَأْسًا لِضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِبَشَرَتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ كَذَلِكَ. اهـ غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute