فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّك عَلَيْهِ هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ لَا إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ هُنَا هِيَ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْرِكَةِ أَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوَجْهِ مَحْرَمِهِ وَرَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا، وَعَضُدِهَا لَا إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا، وَفَخِذِهَا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ مَحْرَمِهِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ، وَلَا يَجُوزُ إلَى ظَهْرِهَا إلَخْ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْسَ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالشَّعْرِ، وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعَا الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ، وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ الزِّينَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَا احْتِشَامٍ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا بِثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً، وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً فَلَوْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ عَنْ مَحَارِمِهَا لَحَرَجَتْ حَرَجًا عَظِيمًا؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ وَالشَّهْوَةَ فِيهَا بَلْ تُعْدِمُهُ بِخِلَافِ الْأَجَانِبِ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَإِنْ كَانَ بِزِنًا، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالزِّنَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَّا إلَى وَجْهِهَا، وَكَفِّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزَّانِي لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ حُرْمَةِ النَّظَرِ فَيَبْقَى حَرَامًا عَلَى مَا كَانَ؛ وَلِأَنَّ خِيَانَتَهُ قَدْ ظَهَرَتْ مَرَّةً فَلَا يُؤْتَمَنُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ بِنْتُ مَنْ زَنَى بِهَا أَوْ أُمُّهَا وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ، وَهُوَ بِالْحُرْمَةِ وَالْحَرَجُ أَيْضًا مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ عَادَةً بِسَبَبِ السِّفَاحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِ مَحَارِمِهِ وَبَطْنِهَا فَجَعَلَ حَالَهَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ لَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الظِّهَارِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَهْرُهَا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لَمَا وَقَعَ تَشْبِيهًا بِالْمُحَرَّمِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَلَمْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَمَسُّ مَا حَلَّ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ مِنْ الرَّجُلِ لَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ «، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ، وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ»، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِهَا فَقَبَّلَهَا وَعَانَقَهَا، وَقَالَ مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَحِينَئِذٍ لَا يَمَسُّهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا، وَلَا يَخْلُو بِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَوْعُ زِنَا.
وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ أَشَدُّ، وَأَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ الْكُلُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيِهَا إلَّا، وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا»، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا، وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، وَإِذَا خَافَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّا أَوْ شَكَّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبُ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَتَلَفَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تَصِلَ حَرَارَةُ عُضْوِهَا إلَى عُضْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَأَمَةُ غَيْرِهِ كَمَحْرَمِهِ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحَارِمِهَا، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ أَلْقِ عَنْكِ الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا كَالْمَحَارِمِ خِلَافًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ) الدُّمْلُوجُ وَزَّانُ عُصْفُورٍ مَعْرُوفٌ وَالدُّمْلُجُ مَقْصُورٌ مِنْهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَيْ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ. اهـ. خَانْ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَأَمَةُ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحُكْمُ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَالْحَمْلِ وَالْإِنْزَالِ مَعَ أَمَةِ غَيْرِهِ كَالْحُكْمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ مَعَ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَاءِ ضَرُورَةً فِي إبْدَاءِ مَوَاضِعِ زِينَتِهَا الْبَاطِنَةِ مِنْ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا تُشْتَرَى لِأَجْلِ خِدْمَةٍ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مُتَشَمِّرَةً لِلْأَعْمَالِ مُتَجَرِّدَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مَكْشُوفَةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَهُ فَلَوْ حَرُمَ عَلَيْهَا إبْدَاءُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَحَرُمَ عَلَى الْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهَا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَكَذَا فِي الْمَسِّ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ أَمَةَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَ مَوْلَاتِهَا، وَتَغْمِزَ رِجْلَهُ، وَكَذَا أَمَةُ الِابْنِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ أَبَا الِابْنِ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ لَا مَكْشُوفًا، وَلَا غَيْرَ مَكْشُوفٍ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى حَمْلِهَا وَالنُّزُولِ بِهَا فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يَأْخُذَ بَطْنَهَا أَوْ ظَهْرَهَا كَمَا فِي الْمَحَارِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ) أَيْ ضَرَبَ عِلَاوَتَهَا أَيْ رَأْسَهَا. اهـ غَايَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute