للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ أَخَصَّ بِهِ كَالصَّيْدِ إذَا أَخَذَهُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا فَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ الْمَاءُ فِيهِ، وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] حَيْثُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِلَفْظِ الشُّرَكَاءِ فَلَمْ يَمْنَعْ اخْتِصَاصَ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْمَالُ لِأَهْلِ بَلَدِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَالِهِ، وَلَا يُقَالُ هُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْرَثَ مِثْلُهُ شُبْهَةً لَانْسَدَّ بَابُ إقَامَةِ الْحُدُودِ كُلِّهَا حَتَّى حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إلَيْهِ أَوْ تَتْرُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الشَّفَةِ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي حَوْضِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قِيلَ هَذَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَمَّا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ حَقًّا لِلْكُلِّ وَالْإِحْيَاءَ لِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ، وَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ فَلَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ.

وَحُكْمُ الْكَلَأِ حُكْمُ الْمَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ قِيلَ لِلْمَالِكِ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ، وَتَدْفَعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَتْرُكَهُ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءَ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْعَطَشَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ الشَّفَةِ، وَهُوَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُحَرَّزًا فِي الْأَوَانِي فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ. وَفِي الْكَافِي قِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِسِلَاحٍ حَيْثُ جَعَلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ بِهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَالشَّفَةُ إذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَسَقْيِ الْأَرْضِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ فِي النَّهْرِ، وَيَغْسِلُ الثِّيَابَ فِيهِ قُلْنَا فِي ذَلِكَ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَيُدْفَعُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ وَحَمَلَ الْمَاءَ إلَيْهِ بِالْجَرَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ، وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ نَخِيلَهُ، وَأَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَبِئْرِهِ، وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا.

وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْمُقَاسَمَةِ انْقَطَعَتْ شَرِكَةُ الشُّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ لَوْ بَقِيَتْ لَانْقَطَعَ شُرْبُ صَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَفَرَ نَهْرًا إلَى أَرْضِهِ فَيُفْضِي إلَى كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَإِلَى الْحَفْرِ فِي حَرِيمِ بِئْرِهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ، وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَيَمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ الْمِيَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَنْهُرُ الْعِظَامُ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَالْأَنْهَارُ الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ، وَمَا صَارَ فِي الْأَوَانِي فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَرْيُ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ بَيْت الْمَالِ)

؛ لِأَنَّ

ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لَهَا فَكَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَجْبَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ نُصِبَ نَاظِرًا، وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى النَّاسِ، وَقَلَّمَا يَنْفُقُ الْعَوَامُّ عَلَى الْمَصَالِحِ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ، وَفِي نَظِيرِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تَرَكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَرْيُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى كَرْيِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ خَاصًّا لَا يُجْبَرُ وَالْفَاصِلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

صَاحِبُ الْمُغْرِبِ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِهَا جَمِيعًا، وَفِي الدِّيوَانِ بِالْكَسْرِ جَانِبُ النَّهْرِ وَبِالْفَتْحِ جَمَاعَةُ النَّاسِ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) نَقُولُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَرِيدُ لِلْكَلَأِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهُ خُذْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إحْرَازٌ فَبَقِيَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ السَّاقِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلشُّرْبِ حَتَّى قَالُوا فِي الْحِيَاضِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلشُّرْبِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوَضُّؤُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ مَاءَ السِّقَايَةِ إلَى بَيْتِهِ لِلشُّرْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا) السَّفْسَافُ الْأَمْرُ الْحَقِيرُ وَالرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ ضِدُّ الْمَعَالِي وَالْمَكَارِمِ، وَأَصْلُهُ مَا يَطِيرُ مِنْ غُبَارِ الدَّقِيقِ إذَا نُخِلَ وَالتُّرَابِ إذَا أُثِيرَ. اهـ ابْنُ الْأَثِيرِ

(قَوْلُهُ: وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْخَاصُّ مِنْ النَّهْرِ مَا لَوْ بِيعَتْ أَرْضٌ عَلَى هَذَا النَّهْرِ كَانَ لِجَمِيعِ أَهْلِ النَّهْرِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إنْ كَانُوا مَا دُونَ الْمِائَةِ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا مِائَةً فَصَاعِدًا فَالشَّرِكَةُ عَامَّةٌ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْكُلِّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>