للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِانْفِلَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَنُسِخَ الِانْفِلَاتُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْمِثْلَيْنِ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي نَسْخِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يُسَاوِي الْإِرْسَالَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَكَانَ دُونَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ، وَهُوَ عَلَى سَنَنِهِ حَلَّ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَالتَّسْمِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى عَلَيْهَا وَخَلَّاهَا فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ بِالتَّعْيِينِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَحِلَّ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إذَا عَيَّنَ يَتَعَيَّنُ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ وَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إيجَادُ الْإِرْسَالِ دُونَ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَازِيَ وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعَيِّنُهُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الصُّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الشَّاةِ مُمْكِنٌ وَكَذَا غَرَضُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ فَتَتَعَلَّقُ التَّسْمِيَةُ هُنَاكَ بِالْمَضْجَعِ لِلذَّبْحِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صُيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ

وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَالْفِعْلُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَاحِدٌ فَيَكْتَفِي بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهُ يَحْتَالُ لِأَخْذِهِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَكَيْفَ يَنْقَطِعُ وَقَصْدُ صَاحِبِهِ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، مِنْهَا أَنْ يَكْمُنَ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ، فَلَا أَذِلُّ

وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَفْعَلُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ مِنْ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) سَاقَ الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ وَلَا مُكْثٍ يُحِلُّهُ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْصَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ مَكَثَ لَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَسَاقَ الْأَتْقَانِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَالِكٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فَقَالَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ صَيْدًا غَيْرَهُ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ أَيُؤْكَلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدَ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَوْ أَخَذَ عَدَدًا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ مَا دَامَ فِي وَجْهِ إرْسَالِهِ فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَالِ الْإِرْسَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي اهـ

(قَوْلُهُ فَكَمَنَ) أَيْ اسْتَتَرَ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَنَ كُمُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ تَوَارَى وَاسْتَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ أَيْ السَّرَخْسِيُّ) نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ يُقَالُ إنَّ فِي الْفَهْدِ خِصَالًا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي بَنِي آدَمَ لَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ) أَيْ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذَّكِيَّةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْخَبِيثَ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الطَّيِّبَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلْبُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَرْسَلَهُ الرَّجُلُ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الْفَهْدُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا صَادَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْثَ سَاعَةً حِيلَةٌ مِنْهُ لِلِاصْطِيَادِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ حَذَاقَةِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا لِلْإِرْسَالِ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ كَالْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ كَلْبُهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ مِنْ فِعْلِ الْكَلْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمَ تَرْكَ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَمَا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَكَانَ قَتْلُهُ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>