أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ وَالشَّاةَ مَيِّتَةٌ وَالْخَلَّ خَمْرٌ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِالِاسْتِبْدَالِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِبْدَالُ حَرَامٌ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِيثَاقٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا تَكُونُ عَيْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ اسْتِيفَاءً لَا مُبَادَلَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ هَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ فِيهِ هَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ
وَإِنْ كَانَ رَهْنًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ إنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَتَمَّ السَّلَمُ كَمَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا فَيَتِمُّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَاهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ، وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْفَسْخِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هَذِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ) أَيْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ، وَهَذَا أَنْظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ، مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي الرَّهْنِ نُصِبَ حَافِظٌ لِمَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ حُكْمًا، وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لَهُ بِهِ وَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى اللَّآلِئِ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ، وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْفَيَا دَيْنَهُمَا بِمَالِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلصَّغِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَيْنَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَالْقَبْضَ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَمْرِ وَالْحُرِّ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ) أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي رَهْنِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ إذَا أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ رَهْنًا فَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ)، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ وَفَاءٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ)، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute